توقيت القاهرة المحلي 06:31:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل سيعود حزب الدولة؟

  مصر اليوم -

هل سيعود حزب الدولة

عمرو الشوبكي

فى مصر تأسست الدولة الوطنية الحديثة فى 1805، كأقدم دولة فى المنطقة العربية، وعرفت فترات قوة وتقدم وفترات تراجع وانكسار، ولكنها ظلت حامية وحدة هذا البلد، وأحد أسباب تميزه مقارنة «بدول» كثيرة فى العالمين العربى والإسلامى. والحقيقة أن الدولة فى مصر لم تكن فقط كياناً مؤسسياً شمل الجيش الوطنى والشرطة والقضاء والإدارة، وظفته فى أحيان كثيرة السلطة الحاكمة لصالح مشروعها السياسى، إنما أيضا، وعلى خلاف بلاد كثيرة فى المنطقة، حكمت هذه الدولة من خلال رجالها، سواء كان ذلك بشكل مباشر، أو عبر «أحزاب الدولة» التى نشأت واستمدت قوتها ( وضعفها أيضا) من ارتباطها بمؤسسات الدولة. والمؤكد أن سلطة الدولة كانت هى الحكم المباشر فى مصر، منذ محمد على حتى ثورة 1919، وبعدها تصور الكثيرون أن الأمور آلت لحزب الوفد، قلب الحركة الوطنية المصرية، والحقيقة أنه على مدار أكثر من 30 عاما، هى عمر التجربة شبه الليبرالية المصرية، حكم الوفد 6 سنوات متفرقة، فى حين حكمت أحزاب الأقلية والقصر المرتبطة بمؤسسات الدولة معظم الفترة عبر انتخابات كثير منها مزور. ومع تعثر النظام الملكى برمته والانقسامات التى شهدها حزب الوفد، وفشل الجميع فى تحقيق طموحات الشعب المصرى فى الاستقلال والدستور، جاءت ثورة يوليو 1952 من قلب الدولة المصرية، وأسست لنظام سياسى جديد جلب الاستقلال، وقاد التحرر الوطنى، وأسس الحزب أو التنظيم الأول لأحزاب الدولة المصرية، وهو هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى الذى صمد حتى عام 1976، حين قرر الرئيس السادات تحويل مصر إلى دولة تعددية حزبية، وأسس بدوره حزب الدولة الجديد «مصر العربى الاشتراكى» الذى غضب عليه السادات عام 1978، وقرر إنشاء «الحزب الوطنى الديمقراطى»، فهرول أعضاء حزب «مصر» إلى الحزب الجديد، جريا وراء الحزب الذى يقوده رأس الدولة، أى الرئيس السادات، وأصبحنا أمام مشهد غير متكرر فى تاريخ مصر والعالم، أن يترك مئات الآلاف من البشر حزبهم الذى دخلوه طواعية، ويهرولوا لحزب آخر، لمجرد أن رئيس الدولة قرر تأسيسه. وظل الحزب الوطنى فى الحكم 33 عاما منها 30 عاما فى عهد مبارك الذى عرف حالة من الجمود والتدهور والفساد فى كل مؤسسات الدولة، وعرفت البلاد حالة من التجريف السياسى والمهنى غير المسبوقة فى تاريخها الحديث. سقط نظام مبارك، وبقيت الدولة، وتفاءل الكثيرون بالمستقبل وبإمكانية نجاح الحركة السياسية فى قيادة الدولة وفى بناء مشروع سياسى جديد. والمؤكد أن ما جرى عقب 25 يناير كان سلسلة من الأخطاء الجسيمة التى وقع فيها تقريبا الجميع سواء المجلس العسكرى، (ما تبقى من دولة مبارك) أو الحركات السياسية والثورية، ومع ذلك عرفت البلاد أول انتخابات حرة فى تاريخها المعاصر، بفضل إشراف الدولة فى طبعتها المحايدة (المجلس العسكرى) عليها. والحقيقة أن انتخابات الرئاسة كانت فى جانب كبير منها اختباراً بين مرشحى الحركات السياسية والدينية القادمين من خارج الدولة والمواجهين لها فى أغلب الأحيان، وبين مرشحى الدولة وليس النظام القديم، ولعل اهتمام البعض بالنظر إلى أحمد شفيق، باعتباره «فلول»، جعلهم ينسون أنه كان بالنسبة لأغلب من صوتوا له ابن الدولة المصرية، الذى كان تدرجه الوظيفى منذ أن التحق بالكلية الجوية حتى وصوله إلى درجة لواء، له قواعد واضحة نظمتها الدولة المصرية، مثلما جرى مع عمرو موسى الذى بدأ ملحقاً فى «الخارجية» حتى وصل إلى درجة سفير، ثم وزير خارجية، على خلاف مرشح الإخوان الذى روج لقصة الفلول، ليخبئ أنه ابن جماعة سرية لا تعرف عنها الدولة ولا عموم الناس عن قوانينها شيئا، فمدهش أن ينتخب ما يقرب من 12 مليون مواطن مرشحاً هو رئيس وزراء النظام الذى ثاروا عليه، إلا لو كان معظم هؤلاء ينظرون إليه، باعتباره ابن الدولة التى يثقون فيها وليس نظام مبارك. ومع مجىء مرسى للسلطة فشل الإخوان فى الحكم، ورفضتهم الدولة والشعب معاً، ولعبت الدولة العميقة دوراً كبيراً فى إسقاط مرسى، وبعدها عادت للعمل مرة أخرى على الطريقة القديمة، ووفق الأساليب التى لم تعرف غيرها، ودن أن تجرى على مؤسساتها أى إصلاحات. إن الإرث الفاشل لمرسى لم يؤثر فقط على مشروعه وجماعته، إنما أثر سلباً على كل القوى والحركات السياسية التى فقد قطاع من المصريين الثقة فى أدائها وقدرتها على الحكم فى مشهد شبيه لما جرى قبل ثورة يوليو 52، حين تدخلت الدولة فى مواجهة فشل السياسيين، مع فارق رئيسى أن طاقة التغيير التى فتحتها ثورة 25 يناير كانت من خلال الشعب المصرى وليس الجيش، كما جرى مع الضباط الأحرار فى 52، وهو ما يجعل هناك فرصة حقيقية لبناء شراكة انتقالية بين الدولة والتيارات السياسية لعبور المرحلة الانتقالية، ولإزالة «آثار العدوان» الإخوانى. إن المشهد الحالى يقول إن الدولة بمؤسساتها المختلفة، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية، فى وضع أقوى من وضع القوى السياسية الجديدة والقديمة، لأن الأثر الجانبى لسقوط مرسى ساوى إهدار نتائج 5 استحقاقات انتخابية مختلفة، (برلمان واستفتاءات ورئاسة)، وهو أيضا أمر له آثاره الجانبية الأخرى التى عظمت من سلطة الإدارة، وقللت من قيمة الانتخاب. المحزن أن علاقة مؤسسات الدولة بالسلطة المنتخبة، عشية انتخاب البرلمان والرئيس السابق مرسى، كانت مشجعة، وكان يقول لنا إنه فى حال نجاح هذه السلطة الجديدة يمكن أن نبنى نظاماً ديمقراطياً تخضع فيه كل مؤسسات الدولة للسلطات المنتخبة، ولكن فشل الإخوان المروع، وقيامهم بأسوأ عملية تدمير وتآمر على مؤسسات الدولة: القضاء والشرطة والجيش، أفشل التجربة فى بدايتها، وأخَّر من عملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى تكون فيها السيادة لمن يختاره الشعب. صحيح أن حزب الدولة لم يتشكل بعد، وهناك من ينتظر تشكله، وهناك من يرغب فى عودته، لأنه اعتاد أن يعمل فقط داخله، إلا أنه فى حال عودته لن يستطيع أن يحكم بمفرده، فهو يحتاج أن يحكم من خلال شركاء مدنيين يحافظون على الدولة، ويطمئنونها، ويعملون فى نفس الوقت على إصلاحها، وعدم السماح بالدخول فى مسار الدولة الفاشلة الذى يسعى إليه البعض أو البقاء أسرى دولة مبارك الفاشلة. نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل سيعود حزب الدولة هل سيعود حزب الدولة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والثنائيات الحرجة

GMT 19:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عن الصراع المتصاعد والمعنى الفلسفي

GMT 14:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 14:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لحظات حرجة فى حياتى

GMT 13:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

كيف نحمى المقدرات المصرية؟

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 01:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا
  مصر اليوم - اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon