عمرو الشوبكي
أعرف مصطفى النجار قبل ثورة 25 يناير بسنوات مثلما أعرف كثيرين من شباب ثورة 25 يناير، معظم من عرفتهم كان راغباً فى بناء بلد جديد خال من الفساد والاستبداد حين كانت المطالبة بالتغيير مغامرة، والمناداة بالثورة حلماً.
بالتأكيد شباب الثورة غير محصن ولا على رأسه ريشة، فبعضهم كان سبباً فيما نحن فيه، وبعضهم تآمر مع الإخوان، وبعضهم اعتبر الثورة مهنة، وبعضهم تصور واهماً أنه فوق الناس، ولكن معظمهم مثل ملايين المصريين شاركوا فى الثورة وهم يحلمون بدولة مدنية ديمقراطية عادلة دون أى حسابات، فنزلوا إلى الشارع وهم راغبون فى إسقاط مبارك ومشروع التوريث، وليس إسقاط الدولة ولا هدم مؤسساتها، ولولا الإدارة الفاشلة والضعيفة للمرحلة الانتقالية لكانت مصر اختارت رئيساً من داخل الدولة يوم 11 فبراير وبدأت تحولاً ديمقراطياً وإصلاحاً سياسياً عقب نزول الشباب يكنس ميدان التحرير معلناً انتهاء التظاهرات، وهاتفاً «الجيش والشعب إيد واحدة».
المراهقة الثورية التى عرفتها مصر شجع عليها ضعف السلطة الانتقالية وأخطاؤها، وبعض الممارسات خلطت بين كراهية النظام والدولة، وتم تسويقها على أنها فعاليات ثورية وحكمتها المراهقة وعدم الخبرة أكثر من أى شىء آخر.
بعض الشباب أخطأ فى أشياء مثل الكبار، والبعض له سقطات أيضاً مثل الكبار، ولكنّ هناك فرقاً بين الخطأ والعمالة، وبين المراهقة الثورية والتآمر، وثورات العالم عرفت بدرجات متفاوتة هذه السلوكيات، خاصة إذا تأملنا ثورات الطلاب فى أوروبا فى 1968 حين كانت المراهقة الثورية والأحلام الوردية سيدة الموقف، ومع ذلك استوعب النظام السياسى معظم هؤلاء الشباب ولم يتعامل معهم كخونة وتحولوا مع الوقت من ثوار يرغبون فى هدم النظام إلى إصلاحيين ساهموا فى إصلاحه وتطويره.
مصطفى النجار وناصر عبدالحميد وأحمد عيد وعمرو صلاح وأحمد شكرى وزياد العليمى وإسراء عبدالفتاح وعبدالرحمن يوسف وغيرهم، هم جزء من حركة شبابية ساهمت فى ثورة 25 يناير، اختلفوا فيما بينهم فى أشياء، واختلفت معهم فى أشياء، ولكن يجب ألا نحول الخلافات والأخطاء إلى خيانة وعمالة.
مصطفى النجار كان «الثورى الإصلاحى» إن جاز التعبير؛ فهو لم ينتم فى يوم من الأيام إلى مدرسة الفوضى الخلاقة التى لايزال يروج لها الأمريكان ومندوبوهم فى الداخل، وهو الذى تفاوض مع عمر سليمان حقناً للدماء ونال مزايدة ثوار بعد الثورة حتى الآن، وهو الذى آمن بأن التغيير يأتى بالتدرج وعن طريق تقديم بديل سياسى، ولم يكن من هتيفة «يسقط حكم العسكر»، ولم يكن مندوباً للخارج فى الداخل حتى لو أخطأ فى بعض أو كثير من مواقفه.
لم يختر أن يبقى مناضلاً على تويتر وفيس بوك (رغم أنه يقضى أوقاتاً لا بأس بها على الاثنين)، إنما خاض الاختبار السياسى الحقيقى حين قرر خوض الانتخابات البرلمانية ودخل معركة على الأرض وفى الواقع وليس فى العالم الافتراضى، وفاز على مرشح إسلامى مدعوم من الإخوان فى سابقة غير متكررة؛ لأن عمره كان 31 عاماً، وحملته تكلفت 45 ألف جنيه.
يعمل النجار كاتباً وطبيب أسنان، وليست لديه جمعية حقوقية تمول من الخارج ولا الداخل، وهو صوت إصلاحى تختلف معه فى أشياء وتتفق، فهو قال مؤخراً إن لديه 20 سبباً لرفض الدستور، وأنا لدىّ 247 سبباً لقبول الدستور، وهذا أمر وارد فى السياسة ولا علاقة له بالعمالة والخيانة.
إن الخلاف على الثورة والثوار أمر وارد، لأن لا أحد سيقبل بحصانة ثورية (أو إخوانية) تعطى مرة أخرى لأحد، ولكنه سيكون فى السياسة وبالقانون وليس بالاتهامات المرسلة.
نقلاً عن "المصري اليوم"