عمرو الشوبكي
ستعلن اليوم نتيجة الاستفتاء على الوثيقة الدستورية بعد أن دلت كل المؤشرات على أن التصويت بـ«نعم» سيكتسح وبنسبة تفوق الـ90%، وأن نسبة المشاركة ستكون حول الـ40%.
والمؤكد أن نعم بأكثر من 90% تثير ذكريات سيئة فى نفوس المصريين، خاصة أن انتخابات 2010 المزورة، والتى حصل فيها الحزب الوطنى على 97% من أصوات الناخبين، أعقبتها ثورة 25 يناير، وجعلت عموم المصريين يتخوفون من هذه النسب.
والحقيقة أن اكتساح نعم فى استفتاء حر نزيه يجعلنا نطرح تساؤلات تختلف عن تلك التى طرحت فى عصر ما قبل 25 يناير، فدلالات نعم الحقيقية هذه المرة تجعلنا نتساءل حول أسباب انخفاض نسب المشاركة الشبابية، وهل يمكن أن يؤسس النظام السياسى المقبل شرعيته على انتخابات يفوز بها بنسبة 95% مثل الاستفتاء، أم أنهما أمران مختلفان لا يجب المقارنة بينها؟
المؤكد أن نعم الكاسحة ترجع لعدة أسباب، منها أن المصريين لم يصوتوا فقط على وثيقة دستورية، إنما على خريطة طريق واستقرار وعلى دولة وطنية، وعلى عقاب الإخوان، وأيضا على ترشح السيسى.
صحيح أن جزءاً من نعم، ولو قليل، قد قال نعم لدستور 2012 لأنه يربط استقرار أحواله وتحسن ظروفه المعيشية بقول نعم لأى دستور، وهؤلاء يمثلون نسبة يعتد بها، ولكنها ليست الغالبة هذه المرة.
والمؤكد أن الإعلام والمناخ المصاحب لـ«نعم» الكاسحة دفع أنصار «لا» من خارج الإخوان وحلفائهم إلى مقاطعة الاستفتاء بعد أن غابوا تقريباً عن وسائل الإعلام، حتى وصل الأمر إلى توقيف بعض شباب مصر القوية، لأنهم يحملون ملصقات تدعو إلى «لا»، فى تكرار لأساليب أمنية لا يجب أن تستمر معنا.
إدارة نعم كانت تعبوية بامتياز، وأعطت الحق لأنصارها أن يصولوا ويجولوا فى كل مكان، ساعدهم فى ذلك دعم شعبى غير مسبوق اعتبر الدستور معركة بقاء الوطن فى مواجهة الإخوان والداعين لتخريبه وهدمه على رؤوس الجميع.
نعم الكاسحة هى لحظة اعتبرها الكثيرون وكأنها لحظة استقلال وطنى تذكرك باحتفالات الأمم بعد تحررها من الاحتلال.
إن نعم فى مراحل التأسيس والبناء الوطنى والحفاظ على الأمة من أخطار التفكك والإرهاب يجب أن تختلف عن نعم لنظام سياسى وإدارة وحكم، فالأول يقبل الاكتساح ونسب الـ90%، فى حين أن الثانى لا يقبل هذه النسب إلا بالتزوير أو من خلال النظم الشمولية.
فلا يجب أن تكون نعم للدستور هى نفسها نعم للسيسى، وإلا سنصبح أمام نظام غير قادر طويلاً على الصمود أو حتى الإنجاز، لأن الاكتساح فى الدستور يعنى اكتساح الدولة فى مواجهة خاطفيها، أما نعم الأخرى فهى نعم لرئيس ومشروع سياسى قادر على أن يفوز من أول جولة بـ60 أو 70 فى المائة، ولكنه لن يحكم بأغلبية 95%، لأن الواقع يقول إن كل النظم الحديثة تنجز وتتقدم عبر ثقافة أخرى غير ثقافة الإجماع، وإن الانتقال من الوطنى العام إلى السياسى سيحكمه منطق آخر يختلف عن المنطق الذى حكم التصويت على الوثيقة الدستورية.
فمصر قالت نعم للدولة الوطنية فى مواجهة لا دولة، ولكنها لا تحتاج إلى حزب واحد للدولة مرة أخرى، إنما تحتاج إلى أحزاب متعددة تؤمن بالدولة، وهذا فارق كبير بين ثقافة حزب الدولة وبين ثقافة الإيمان بالدولة، وبين نعم الكاسحة والتعبوية للدولة والدستور، وبين نعم النسبية للبرلمان والرئيس.
نقلاً عن "المصري اليوم"