عمرو الشوبكي
اعتبر البعض أن نتيجة الاستفتاء على الدستور تعنى دعماً لترشح الفريق السيسى، وأن نعم الكاسحة للدستور هى نفسها نعم الكاسحة للسيسى، وأن نعم بـ98 % للدستور لن تكون هى نفس نعم فى أى انتخابات رئاسية أو برلمانية.
وإذا كان من المؤكد أن شعبية السيسى فى الشارع جارفة، وإيمان مصر العميقة والحقيقية بالدولة الوطنية كبير، فعلاقة المؤسسة العسكرية بالحداثة وبناء الدولة المصرية أمر مؤكد، وصورة المخلص والبطل القومى الذى قدمها عبدالناصر فى التاريخ المصرى الحديث، وارتبطت بالجيش- مازالت حاضرة فى نفوس الكثيرين.
والمؤكد أن قيام الفريق السيسى بتدخل عسكرى لعزل مرسى لم تعرف عنه أمريكا شيئاً، وحين عرفته لم ترحب به، داعب فى وجدان كثير من المصريين قضية الكبرياء الوطنى والقدرة على عمل فعل من العيار الثقيل خارج الإملاءات الأمريكية.
فرغم اعتماد الجيش بصورة كبيرة على السلاح والمساعدات الأمريكية، ورغم المخاطرة الكبيرة التى اتخذها قائد الجيش بعزل مرسى، دعما لإرادة قطاع واسع من المصريين، والذى استلزم فعلا مبادرة جريئة فعلها بهدوء وحكمة أثارت إعجاب الناس ودعمهم.
لقد عاشت مصر تبعية مهينة للقوى الخارجية على مدار 30 عاما من حكم مبارك، كما أن حكم الإخوان المدعوم من أمريكا دفع بقطاع واسع من المصريين إلى البحث عن صورة المتحدى القوى من هذه التبعية الفجة، وجاء قرار الجيش بإنهاء حكم الإخوان ليخاطب هذه الصورة.
وقد ساهم هذا الدور الذى لعبه قائد الجيش فى عزل مرسى- رغم الضغوط الأمريكية- فى اعتبار نعم الكاسحة للدستور هى نفسها نعم للسيسى، والحقيقة أنها نعم للمسار الذى خطه الرجل، حين اعتبر أن الموافقة على الدستور تعنى نعم للدولة الوطنية، ونعم لترشحه للرئاسة وعقابا للإخوان، ولكنها بأى حال لن تعنى النسبة التى سيحصل عليها السيسى ولا غيره فى أى انتخابات رئاسية قادمة.
فنعم لترشح السيسى لن تكون هى نفسها نعم التى سيحصل عليها فى أى انتخابات رئاسية مقبلة، لأنها ستكون أولاً بين أكثر من منافس على مقعد الرئاسة، ولن تكون استفتاء على رئيس واحد، بما يعنى أن عصر الرئيس المنتخب بـ98% و99% انتهى، وولى، وأن فوز السيسى فى أى انتخابات رئاسية قادمة من الجولة الأولى لن يعنى أنه سيفوز بها بنسبة 90%، كما أن الربط بين الجيش وترشح السيسى أمر يحتاج إلى مراجعة.
فالسيسى ليس مرشح الجيش فى مواجهة مرشحين آخرين سينافسانه، بما يعنى أنهما سيبدوان وكأنهما ضد الجيش، فالأخير مؤسسة وطنية قوته فى أنه جيش الدولة وليس جيش النظام (تخلى على نظامين لصالح الشعب والحفاظ على الدولة)، والسيسى فى طريقه أن يصبح على رأس نظام سياسى جديد، وبالتالى يجب أن ينفصل عن الجيش، ويعتبر نفسه مرشح الشعب، وليس القوات المسلحة، وأن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة يجب أن يتعلق فقط بترتيبات تخص المؤسسة العسكرية بعد مغادرتها وترشحه للرئاسة، وليس ترتيب قرار ترشحه الذى هو قرار سياسى يخص الشعب المصرى، وليس المؤسسة العسكرية.
من الخطر أن ينظر للسيسى على أنه مرشح الجيش، إنما هو مرشح مصرى انتمى للقوات المسلحة ومن خلفية عسكرية، وإن تعثر مشروعة السياسى فى الحكم (لا قدر الله) لا يعنى تعثر الجيش وفشله، فقد اختار الرجل أن يترشح معبراً عن قطاع عريض من الشعب المصرى، وإن موقف مؤيديه ومعارضيه يجب أن ينفصل ولو تدريجياً عن موقفهم من الجيش الذى يجب أن يظل جيش الأمة والدولة وفقط.
نقلاً عن "المصري اليوم"