عمرو الشوبكي
قد يكون الاحتفال بالثورة هذه المرة مختلفاً عن المرتين السابقتين، ففى المرة الأولى (2012) كان الزخم الجماهيرى داعماً للحالة الثورية، وكان هناك مئات الآلاف فى الشوارع، بعضهم كان يهتف بسقوط «حكم العسكر»، دون أن يقدم بديلا فى أى شىء إلا تقديم البلد على طبق من فضة للإخوان المسلمين، وفى المرة الثانية (أى العام الماضى) كان الإخوان قد وصلوا للسلطة، وبدأ الفرز بين الإخوان والتيارات المدنية، ونزل إلى الميادين ليس فقط شباب يناير، إنما أيضا كل معارضى الإخوان بمن فيهم من ناصبوا الثورة العداء.
وعادت الجماهير لتحتفل هذه المرة بثورة يناير تقريبا، دون معظم رموزها الشبابية، ونزلوا الشوارع والميادين معلنين تأييدهم للفريق السيسى ومرددين الأغانى والأناشيد الوطنية، دون أى اشتباكات بين الفصائل الثورية والإخوان، أو بين هذه الفصائل وبعضها البعض، فقد تحولت ميادين مصر إلى ساحات مفتوحة تستقبل الجميع إلا الإخوان.
دلالة 25 يناير هذه المرة أنها جذبت قطاعا كبيرا من المواطنين العادين، بمن فيهم هؤلاء الذين لم تكن لهم علاقة بها بالثورة، وليس شباب الحصانة الثورية، ولا أعضاء الجماعة السرية، إنما المصريون العاديون الذين شاركوا فى الثورة، أو دعوا لها وهم فى بيوتهم قبل أن يمارس عليهم البعض الاستعلاء والتجاهل حتى سلموا البلد للإخوان، وهدد كيان الدولة الوطنية نفسه.
إن الطاقة التى فجرتها الجماهير المصرية طوال 18 يوما من عمر ثورة يناير وإصرارها على ضرورة تنحى مبارك وشلة التوريث، ومطالبتها بإصلاح الدولة جراحيا، وليس إسقاطها، ورفعها شعارات الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية- مثلت أهم رسالة قيمية وسياسية عرفها الشعب المصرى، منذ عقود، وفتحت الباب أمام نمط جديد للعلاقة بين الحاكم والمحكومين.
إن هذا الشعب الذى خرج فى مظاهرات مليونية تطالب برحيل الرئيس عرف بفطرة تستحق الدهشة- الفارق بين إسقاط النظام وإسقاط الدولة، فناضل من أجل إسقاط الأول، وتمسك ببقاء الثانية.
إن هذا الموقف الذى حمله الشعب حين هتف بتلقائية «الجيش والشعب يد واحدة» تميز بانحياز فطرى إلى نماذج النجاح التى عرفها العالم فى الـ40 عاما الأخيرة من أوروبا الشرقية إلى أمريكا الجنوبية، ومن إسبانيا والبرتغال إلى تركيا وماليزيا وغيرهما فى أفريقيا وآسيا، وهى تجارب قامت على إفشال قدرة النظام القديم على الاستمرار فى الحكم ومحاكمة رموزه الفاسدة والمتهمة بارتكاب جرائم ضد المواطنين، ولكنها لم تقم لا بانتقام عشوائى ضد كل من عمل مع النظام السابق، كما أنها لم تهدم مؤسسات الدولة، إنما قامت بإصلاحها بشكل تدريجى وجراحى.
صحيح أنه لولا انحياز الجيش للشعب، باعتباره جيش الدولة الوطنى، وليس النظام والقصر، لكان من الصعب على الثورة أن تنجح، ولو بهذه التكلفة المحدودة (مقارنة بما يجرى حولنا)، خاصة بعد أن أغلق مبارك بالتجريف الذى أحدثه فرص وجود أى بدائل إصلاحية، من داخل نظامه أومن قلب مؤسسات الدولة. إن ما شهدناه، أول أمس، فى شوارع القاهرة هو عودة لمواطنى يناير الحقيقيين ملح الأرض الذين دعموا الثورة، من أجل أن تنصلح أحوالهم لا أن تتحول إلى تظاهرات واحتجاجات دائمة، ومحاولات إسقاط وخطف الدولة، بعد أن خذلهم بعض الثوار، ولم يراهم من الأصل الإخوان، لأنهم من الشعب، وليسوا من الجماعة.
كل عام ومصر فى ظل مبادئ 25 يناير بألف خير.
نقلاً عن "المصري اليوم"