توقيت القاهرة المحلي 12:44:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أين قوة الجيش المصرى؟

  مصر اليوم -

أين قوة الجيش المصرى

عمرو الشوبكي

لعب الجيش المصرى دوراً حاسماً فى الحفاظ على وحدة هذا البلد وعلى أمن شعبه وبقاء دولته، بتدخله فى لحظات فاصلة فى تاريخ مصر لينقذها من سيناريوهات كارثية لم تفرق مع مندوبى الخارج فى الداخل ولا مع جماعة الإخوان، لأن كليهما لا يعنيه كثيراً الشعب المصرى، فلم يتعاطفوا للحظة مع الجنود والضباط الذين يسقطون ضحية الإرهاب، ولا مع من يحرسون قناة السويس حتى أصغر منشأة فى مصر، ورأى الشعب المصرى مجموعة من الجهلاء والعبيد ليبرر فشله وعجزه. إن تماسك الجيش وحفظ كرامته ودعم قوته ليست فقط شعوراً وطنياً بديهياً عند كل مصرى إنما أيضا شرط لا بديل عنه لإنجاز عملية تحول ديمقراطى، فبفضل وجود الجيش الوطنى جرى التغيير «كصناعة مصرية»، مهما كانت عيوبها ومشاكلها، ولكنها على الأقل لم ترتبها المؤسسات الغربية كما جرى فى كثير من دول العالم، خاصة أوروبا الشرقية وتجارب «الثورات الملونة»، فثورة 25 يناير صناعة مصرية، مهما حاول البعض تشويهها، والجيش الذى حمى الشعب والدولة جيش وطنى وليس قوات المارينز (التى يتحسر البعض على أنه لم يرها فى مصر). صحيح أن المجلس العسكرى السابق ارتكب أخطاء كثيرة فى إدارة المرحلة الانتقالية، إلا أن هذا لا يبرر استهداف الجيش كمؤسسة والتآمر عليه لصالح أموال أمريكا وأهداف إسرائيل، بعد أن انهار الجيش العراقى والليبى والسورى، وبقى فى تلك المنطقة الجيش المصرى كآخر جيش عربى قوى ومنضبط ولديه تقاليد وقواعد محترمة. إذا دخلت على موقع Global fire فى تصنيف جيوش العالم (سلاحاً وعتاداً وتدريباً وجنوداً) ستجد الجيوش الخمسة الأولى بالترتيب (أمريكا - روسيا - الصين - الهند - بريطانيا) أما الجيش المصرى فيأتى فى المركز الـ 14 وقبله مباشرة الجيش الإسرائيلى (رقم 13) ويسبقه الجيش الباكستانى (رقم 12) والتركى (رقم 11) أما الجيش العربى التالى للجيش المصرى فهو الجيش السعودى فى المرتبة الـ 27 (ميزانيته أكبر بكثير مما ينفق على الجيش المصرى)، وانتقل الجيش العراقى بعد أن كان واحدا من أقوى جيوش العالم إلى المرتبة 58 عقب الغزو الأمريكى للعراق. والحقيقة أن هناك فارقا كبيرا بين الخلاف حول حدود الدور السياسى للجيش وبين استهدافه عبر خطة منظمة يساهم فيها قادة الإخوان وبعض مندوبى أمريكا وإسرائيل، من أجل خلخلته بغرض بناء إما دولة إخوانية على طريقة جمهورية الإخوان فى السودان المقسم أو دولة مثالية (وهمية فى الحقيقة) يتصور أنها ستكون بلا «عسكر». والحقيقة أن امتلاك أمة جيش دولة وليس جيش نظام يعد خطوة متقدمة جدا فى مسار أى شعب، وهى ميزة كبرى لا يعرف قيمتها إلا الشعوب التى دفعت مئات الآلاف من الضحايا، بسبب غياب هذا الجيش الوطنى لصالح جيش النظام أو القبيلة أو الطائفة. البعض قلِق من عودة الدولة الأمنية فى مصر، ولكنه غير قلِق من غياب الدولة وانهيارها لأنه أمر مفضل فى الكتاب الأمريكى، والراجح أن الدولة الأمنية لن تعود حتى لو اتخذت الآن إجراءات استثنائية - بعضها مرفوض جملة وتفصيلا - طالما بقى الشعب حيا وطالما ظلت هناك قوى ومؤسسات ديمقراطية تواجه عودتها بضمير الشارع وقوة المؤسسات الديمقراطية. إن قوة الجيش المصرى فى مهنيته وفى انضباطه وفى تقاليده وشرفه العسكرى وليست فى دوره السياسى، والحقيقة أن هذا الوضع هو سر قوة الجيش، وهو الذى جعله ينحاز للدولة والشعب عقب ثورة 25 يناير، فلم نجد داخله قائداً موالياً لمبارك يكسر أوامر قادته ويتمسك ببقاء الطيار السابق حسنى مبارك فى السلطة كما يفعل جيش النظام والطائفة فى سوريا، ولم نجد فرقة شاردة من الجيش المصرى تعلن انضمامها للثورة وتنزل إلى ميدان التحرير، (كما حاول البعض بكل مراهقة أن يفعل مع عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من ضباط 8 إبريل)، وتشتبك مع جيش النظام أو الجيش الحكومى كما كان يتمنى البعض. ورغم تعرض الجيش فى ذلك الوقت لضغوط كثيرة فى الشارع ووجود قيادة قديمة بقيت على رأسه لأكثر من 20 عاما، فى سابقة غير متكررة فى تاريخ الجيش المصرى، مع ذلك عبر الأزمة وظل متماسكا وشامخا. وحاول بعد ذلك مرسى وجماعته اختراقه وأخونته والتآمر عليه، وفشلوا، وظل «على قلب رجل واحد»، رغم الضغوط الخارجية والداخلية، محافظا على انضباطه وقوته. البعض لأنه لا يفرق معه الشعب المصرى لم يعتبر أن هناك خطرا اسمه انقسام وتفكك الجيوش فى المنطقة يتبعه سقوط ملايين الضحايا، واعتبر أن الحفاظ على الجيش مجاملة «للعسكر»، لأنه فى هذه الحالة سيأخذ جواز سفره وسيذهب خارج مصر، وسيترك «الناس الغلابة» تكتوى بنار انهيار الدولة وتفكك الجيوش كما جرى حولنا وفى منطقتنا. إن قوة الجيش المصرى تمثلت فى المهنية والانضباط و«اللا تسيس» الذى عرفه على مدار ما يقرب من نصف قرن، بعد أن سبق أن اخترقته التنظيمات السياسية والحزبية مع الضباط الأحرار، وعاد وتورط جيش المشير عبدالحكيم عامر فى الممارسة السياسية، فكانت هزيمة 67، وبعدها أعاد عبدالناصر بناء الجيش على أسس احترافية ومهنية جعلته ينتصر فى حرب 73. إن هذا الجيش المهنى وليس السياسى هو السبب الرئيسى وراء عدم سقوط الدولة، وعدم بقاء مبارك ومرسى فى السلطة إلى ما لا نهاية له حتى لو قتلوا ملايين من أبناء الشعب المصرى، فالجيش غير السياسى وغير الحزبى هو الذى لم ينقسم كما انقسم المجتمع بين ثوار ونظام قديم، وبين مدنيين وإخوان، فالجيش المهنى هو الذى يتحرك للدفاع عن قيم ومبادئ عامة وحين يصبح وجود الدولة مهددا، وليس سقوط حزب حاكم أو رئيس أو حتى نظام. والمؤكد أن ترشح الفريق السيسى إلى منصب رئيس الجمهورية، دون أن يعمل فى أى مؤسسة أخرى غير الجيش، سيجعل الربط بين ترشيحه والمؤسسة العسكرية واردا، وسيجعل هناك تصورا ضارا جدا على مصر يبدو فيه الفريق وكأنه مرشح القوات المسلحة. صحيح أن بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة جاء متوازنا، ولم يشر إلى تلك التعبيرات الخطرة التى رددها البعض طوال الفترة الماضية، وتربط ربطا سياسيا - وليس وظيفيا - بين الجيش والسيسى، وتعتبره مرشح الجيش أو «حزب الجيش»، وذلك حين قال: «قرر المجلس أن للفريق أول عبدالفتاح السيسى أن يتصرف وفق ضميره الوطنى (وليس قرار الجيش)، ويتحمل مسؤولية الواجب الذى نودى إليه، خاصة أن الحكم فيه هو صوت جماهير الشعب فى صناديق الاقتراع، وأن المجلس فى كل الأحوال يعتبر أن الإرادة العليا لجماهير الشعب هى الأمر المطاع والواجب النفاذ فى كل الظروف». لا يجب التعامل مع السيسى باعتباره مرشح الجيش، فقد اختار بترشحه للرئاسة أن يدخل فى مخاطرة أكبر من 3 يوليو وهى ستنقله من قائد للجيش يجب تنفيذ أوامره إلى مشروع رئيس فى أصعب مرحلة تمر بها مصر منذ تأسيس دولتها الحديثة فى 1805 على يد محمد على، وإن تجربته قد تنجح وقد تتعثر، (لا قدر الله)، وهنا يجب أن يبقى جيش الدولة الوطنى، وليس جيش السيسى ولا النظام الجديد. إن هذا سر قوة الجيش المصرى واحترام وتعلق الغالبية الكبرى من المصريين به، لأنه فى الممارسة العملية وليس الشعارات اختلف عن جيش صدام وجيش بشار وكتائب القذافى وميليشيات الإخوان المسيطرة على الجيش السودانى، ويجب أن يبقى مستقلاً عن أى نظام جديد وعلى مسافة واحدة من الجميع، حتى لو كان قلبه مع أحدهم. «السيسى رئيساً» مشروع يستهدفه الكثيرون فى الداخل والخارج، وقد يكون جزء من الحسبة هو إفشال الرجل وإفشال الجيش معه، فكثير من الأصدقاء العراقيين والجزائريين ذكروا كيف «قدس» الشعب العراقى جيشه حتى نهاية الحرب مع إيران، وبعدها حوله صدام إلى جيش خاص، وغزا الكويت، ثم فككه الأمريكان، وتألم الشعب العراقى من أن المحتل هو الذى هدم الجيش القديم وبنى الجديد، وفقد حضوره فى الوجدان الجمعى للعراقيين، وتكرر نفس الأمر، وإن بصورة أقل فى الجزائر، حين واجه الجيش الإرهاب الأسود، وتورط فى جرائم، وفقد جانباً كبيراً من الإجماع الوطنى الذى كان يتمتع به قبل وصول جبهة الإنقاذ الإسلامية للسلطة. فى مصر هناك فرصة لفصل المسارين والتمييز القاطع بين الجيش كمؤسسة وطنية وبين مشروع السيسى السياسى، فالرجل لديه شعبية كبيرة فى الشارع، وسيقدم برنامجاً ورؤية سيكون الحكم فيهما هو للشعب المصرى والانتخابات الحرة وليس دعم الجيش له، فالأخير سيدعم الدولة والشرعية طالما بقيت مستمدة من الدستور والقانون، بصرف النظر عن اسم الرئيس القادم. نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين قوة الجيش المصرى أين قوة الجيش المصرى



GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 07:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 06:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بريطانيا: المحافظون يسجلون هدفاً رابعاً ضد «العمال»

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon