توقيت القاهرة المحلي 12:44:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوجوه القديمة

  مصر اليوم -

الوجوه القديمة

عمرو الشوبكي

ما أكثر الحديث عن عودة الوجوه القديمة، وجوه نظام مبارك الذى سقط بفعل ثورة شعبية، بعد أن جثم على صدر الشعب المصرى 30 عاما حدث فيها تجريف هائل وغير مسبوق فى تاريخ الدولة المصرية منذ تأسيسها فى 1805 على يد محمد على. البعض يكرر نفس الجملة لا لعودة الوجوه القديمة فى كل مرة يقابل فيها مسؤولا، (آخر مرة فى لقاء بعض الشباب مع الرئيس المؤقت)، أو يتحدث إلى وزير الدفاع الحالى، المرشح الرئاسى القادم المشير السيسى، ويطالبهم جميعا بمنع الوجوه القديمة من العودة إلى الساحة السياسية «بكبسة زر»، كما يقول اللبنانيون، وبفرمان رئاسى يقضى بعزلهم سياسيا أو منعهم من الظهور، (لا نعرف كيف)، وهو ما لم يحدث مع أحد سواء كان من الإخوان أو من الحزب الوطنى كما نص الدستور الجديد. والحقيقة أن معضلة البحث عن حماية من خارج ساحة التنافس السياسى تعكس عدم قدرة على مواجهة المنافسين والخصوم بسلاح الديمقراطية وبدولة القانون، فالبحث عن حماية خاصة يشبه البحث عن حصانة خاصة، فالأول يقر بعجزه عن بناء بديل سياسى يهزم وجوه مبارك فى أى انتخابات قادمة، والثانى يقول إنه فى حاجة إلى مسار استثنائى باسم الثورة والخيارات الثورية ليحمى اجتهاداته السياسية ويضعها فوق رؤوس الناس. إن تجارب الشرعية الثورية فى كثير من دول العالم كانت تكأة لمحاربة الخصوم السياسيين، وليس فقط أو أساسا وجوه النظام السابق، فكما شاهدنا فى بعض التجارب كان إقصاء الوجوه القديمة هو المدخل لإقصاء الوجوه الجديدة، هكذا حاول الإخوان فى مصر، وهكذا فعلت روسيا الشيوعية حين قضى ستالين على معظم رفاقه فى الحزب الشيوعى الذين قاموا بالثورة باعتبارهم برجوازيين وأعداء للثورة، ونفس الأمر شاهدناه مع الثورة الإيرانية العظيمة- آخر تجربة بناء نظام سياسى جديد عبر الشرعية الثوريةـ حين قضت على كثير من أركان النظام القديم ومن عملاء جهاز الأمن القاتل «السافاك»، لكنها أيضا قضت على كثير من الاتجاهات السياسية التى شاركت فى الثورة مع تيار الإمام الراحل الخمينى، واعتبرتهم من أعداء الثورة وممن خانوا مبادئها. الثورة لا تُستدعى حسب الطلب والمصلحة، واحترام القانون هو فى صلب مبادئ الثورة وأهدافها، وهى حدث استثنائى وليست هدفا ولا غاية، إنما هى وسيلة لتحقيق هدف آخر هو تقدم ونهضة المجتمع، وهناك تجارب كما أشرنا سابقا كرست فيها الثورات لنظم استبدادية تحت مسمى الشرعية الثورية والقرارات الثورية والحفاظ على الثورة من أعدائها من رموز النظام القديم أو النظام الرجعى. والحقيقة أن المجتمعات التى لم يشعر قادة التغيير فيها بأن على رأسهم ريشة لأنهم «ثوار» وأسسوا لنظم ديمقراطية فاعلة وذات كفاءة هى التى نجحت، فى حين أن تجارب الفشل الذريع هى التى أسست لشرعية ثورية ومحاكم ثورية وإجراءات استثنائية. إن هناك فارقا جذريا بين قوى وتيارات تؤمن بقيم ومبادئ الثورة وتسعى من خلالها إلى تغيير المجتمع وتحسين ظروف الناس، وقوى وتيارات توظف الثورة حسب الطلب والمصلحة، فتتخلى عنها حين تكون مصلحتها مع الديمقراطية ودولة القانون، وتستدعيها حين تكون طريقا للهيمنة أو المعارضة كما فعل الإخوان حين وظفوا خطاب الثورة لقمع المعارضين ووصفوهم جميعا بالفلول وأعداء الثورة، وحين أصبحوا فى المعارضة استدعوا خطاب «الثورة مستمرة»، وتحول حسن البنا المحافظ الرافض للثورة إلى تروتسكى جديد (المنظر الشيوعى لفكرة الثورة الدائمة). المشكلة ليست فى وجوه النظام القديم، إنما فى المنظومة القديمة التى حمت وأنتجت رجال النظام القديم، فمصر لن تتقدم إلا حين تنجح فى تغيير هذه المنظومة التى مازالت تقريبا كما هى رغم تغير الأشخاص والرموز. إن مهمة تفكيك المنظومة القديمة بشكل جراحى ومتدرج تكاد تكون هى المهمة الثورية الوحيدة المطلوب إنجازها الآن، وإن من المهم العمل على وضع أساس سياسى وقانونى جديد لإدارة العملية السياسية، فتجرى الانتخابات بصورة نزيهة، خاصة أن هناك عودة سياسية للوجوه القديمة التى اعتاد كثير منها على البلطجة والتزوير، ولم تعرف فى حياتها معنى الانتخابات النزيهة وشرف المنافسة الحرة. والحقيقة أن الإطار الأهم والأبرز الذى يجب أن تتمسك به قوى التغيير فى مصر يتمثل فى ضمان وجود إطار قانونى يحترم الدستور وينفذ ما جاء فيه من مبادئ، ويضمن نزاهة العملية الانتخابية وليس مطالبة السيسى بأن يحارب رموز النظام القديم نيابة عن «القوى الثورية»، ثم تطالبه فى نفس الوقت بألا يكون حاكما ديكتاتورا، وألا يعيد إنتاج حكم الفرد. المطلوب ليس إقصاء أحد من رموز النظام القديم أو الجديد، فالشعب المصرى هو وحده القادر على أن يختار ممثليه فى أى انتخابات قادمة، إنما المطلوب فقط من النظام الجديد أن يضمن نزاهة العملية الانتخابية، وأن يحول دون جعل التزوير وشراء الأصوات هو طريق النجاح فى أى انتخابات. للأسف، البعض لا توجد لديه أى مشكلة مع «الفلول»، فكثيرا ما ينسق معهم سرا، إنما مشكلته مع كعكة السلطة التى يريد أن يلتهمها وحده، فيخرج مثل الحاوى خطاب الفلول لإقصاء كل القوى المحافظة والتقليدية، وهناك من يخرج خطاب الأجندات ومؤامرات الخارج ليقضى على كل القوى المدنية والتقدمية، فالموضوع أساسا هو غنيمة السلطة التى يرغب فى اقتناصها كل فصيل (وأحيانا شلة) وحده تحت حجج ومبررات كثيرة. المطلوب هو التخلص من النظام القديم وليس الوجوه القديمة، (التى تتوارى كل يوم)، فالإخوان كانت معركتهم مع الوجوه القديمة وليس النظام القديم، فحاولوا التخلص من الأولى وسعوا للاحتفاظ بالثانى بعد تمكنهم منه، والبعض الآن يريد تكرار نفس الخطأ، فيتحدث عن الوجوه القديمة أكثر مما يتحدث عن النظام القديم، فمع الأولى لا توجد معركة حقيقية، أما مع الثانى فهو القول الفصل وهو التحدى الأكبر، إذا نجحنا فى تفكيكه فسنتقدم، وإذا فشلنا فسنعود للخلف حتى لو وضعنا وجوهاً جديدة محل القديمة. نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجوه القديمة الوجوه القديمة



GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 07:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 06:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بريطانيا: المحافظون يسجلون هدفاً رابعاً ضد «العمال»

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon