عمرو الشوبكي
يسقطون كل يوم شهداء للواجب وشرف حماية الشعب المصرى، البعض يقول إن عددهم 182 شهيداً من الشرطة والجيش منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة، فى حين سقط 15 شهيداً للشرطة والجيش، منهم 5 فى طائرة عسكرية فى أقل من أسبوعين، بينهم نقيب بورسعيد الذى أبكى المصريين، الشهيد الشاب فادى سيف الدين، وزاد عليهم اثنان، أمس الأول، وثلاثة آخرون سقطوا متفرقين ضحية الإرهاب الأسود.
هم جميعا شهداء يسقطون ضحية الواجب، وشرف بدلة «حضرة الضابط» حتى ينعم باقى أفراد الوطن بالأمن والسكينة، شهداء يرحلون عن دنيانا بكل نبل وهدوء ودون ضجيج، لأن دولتنا الضعيفة لم تستطع حتى الآن أن تحميهم وتدافع عنهم، بعد أن جُرّفت 33 عاما.
إن هؤلاء الضحايا ليسوا نجوم فضائيات حتى يجدوا من يتكلم عنهم، وليست وراءهم جماعات حقوق إنسان تطالب بحقوقهم، وتخطئ ولو مرة واحدة وتتحدث عنهم وتدين قاتليهم، إنما هو الصمت الرهيب والمريب، ولم يجدوا جماعة تقف وراءهم وتحرض أعضاءها من أجل القصاص لهم مثلما يفعل الإخوان كل يوم، ولم يجدوا نقابة ولا مجلس إدارة ناد يدافع عنهم ويعرف أسباب سقوطهم بهذا الشكل المتكرر والسهل، ويضغط ويوصى من أجل مواجهتها.
نعم كانت هناك أزمة كبيرة فى علاقة المجتمع المصرى بالشرطة، لأن نظام مبارك حمّلها تقريبا عبء الدفاع عن كثير من خطاياه، فحول كل ملفات البلاد لجهاز الأمن: من تعيين المعيدين فى الجامعات حتى «تعيين المعارضة»، ومن التفاوض مع العمال المضربين حتى التعامل مع الاحتقانات الطائفية.
ومع ذلك ظل هناك آلاف من أبناء هذا الجهاز عملوا بشرف وبمهنية وكانوا ضحية المنظومة القديمة والجديدة، التى تركتهم فى العراء يسقطون كل يوم ويدفعون ثمن مزايدات بعض السياسيين الرخيصة، ومصالح بعض الجماعات الحقوقية (ليس منها إصلاح حقيقى للداخلية)، وأخطاء بعض أفراد الشرطة فى الكثير والقليل، والتعامل بقبلية مع أخطائهم وعدم الاعتراف العلنى بها.
إن إصلاح الشرطة ليس كما يصوره البعض هو انتقام أو تصفية حسابات مع جهاز بأكمله، ولا تجاهل الظروف الصعبة وفى بعض الأحيان غير الإنسانية التى يعمل بها كثير من شباب الضباط والمجندين، إنما هو تغيير ظروف العمل وتحسين قدراتهم المهنية وخبراتهم الميدانية والحقوقية.
فى عام الإخوان ضاع المواطن المصرى بين رغبة الجماعة فى الانتقام من الداخلية، وبين انسحاب الأخيرة عن القيام بكثير من وظائفها، فارتعشت يدها ولم تعرف متى تستخدم القوة والحزم فى مواجهة الخارجين عن القانون، ومتى تكون لينة ومهنية مع محترمى القانون.
وبعد التخلص من حكم الإخوان عادت الداخلية لحضن الشعب وبدأت فى نسج علاقة صحية مع المواطن، وصححت كثيرا من أخطائها، وبقيت المشكلة المهنية بلا حل ولا تقدم يذكر.
صحيح لقد تحسن الأداء، وتطور التسليح، وبقيت مشكلة الطفرة المهنية فى التدريب ومواجهة الإرهاب مؤجلة، فنفس الكمائن الثابتة التى نشاهدها منذ عهد مبارك لم تتغير، ومشهد بعض الضباط وهم يستقبلون «صحابهم» ليدردشوا ويحتسوا الشاى وكأنهم فى رحلة وليس مكان عمل لايزال أمراً متكرراً دون أى رقيب، ودون أى منظومة جديدة تطور الأداء الشرطى من حيث الشكل والمضمون.
استهداف الشرطة بهذا الشكل كارثة حقيقية ويعكس بالتأكيد وربما أساساً أزمة سياسية كبيرة، ولكنه أيضا يعكس قصوراً أمنياً وعدم كفاءة حان وقت الاعتراف بها ومواجهتها.
رحم الله شهداء الشرطة، شهداء الوطن والواجب.
نقلاً عن "المصري اليوم"