عمرو الشوبكي
فى علم السياسة هناك حديث عن مدخلات (income) ومخرجات (outcome) لأى نظام سياسى، وتعنى تحليل طبيعة القوى الاجتماعية والسياسية الموجودة داخل المجتمع باعتبارها مدخلات ستحدد طبيعة «المخرج» (بضم الميم) أى شكل النظام السياسى.
والحقيقة أن تحليل خطاب القوى السياسية عقب وصول مرسى للسلطة كان يدل على استحالة استمرار النظام الجديد، فبناء نظام ديمقراطى يتطلب حدا أدنى من التوافق المجتمعى والسياسى على قيم أساسية يتقاسمها فرقاء الساحة السياسية، ولا تجعل وصول أحدهما للسلطة تهديدا لوجود الآخرين.
فحين تصف القوى المدنية حكم الإخوان بأنه احتلال وغزو وتدمير للدولة الوطنية، وحين يرى الإخوان فى القوى المدنية أنهم عملاء ومخربون ومعادون للإسلام، فهل نتوقع أن يحدث تداول للسلطة بين قوى تدير خلافاتها بهذه الطريقة؟ أم أنه فى ظل انقسام سياسى ومجتمعى يصنف فيه الناس إما كفار أو خونة يستحيل إقامة نظام ديمقراطى.؟
صحيح هناك بعض التجارب التى ساهم فيها الإطار الدستورى والقانونى الصارم والمتوافق عليه فى تهذيب الشطط السياسى، وإعادة تشكيل جانب من الأيديولوجيات الراديكالية على أسس ديمقراطية جديدة، مهما كان الانحراف الفكرى والسياسى الموجود فى بعضها، ويفرض على الجميع من خلال الممارسة السياسية تعلم احترام الديمقراطية وتداول السلطة، وهو ما لم يحدث فى عهد الإخوان حين وضعوا دستورا غير توافقى مفصلا على مقاس الجماعة، وقوانين تخدم فصيلا واحدا.
والمؤكد أن حالة الاستقطاب السياسى والمجتمعى وغياب إطار دستورى وقانونى تتوافق عليه القوى السياسية كان الطريق للفشل المدوى لحكم الإخوان، فلأن الأساس (الدستور) الذى بنوا عليه المسار السياسى برمته كان معوجا وهو ما عنى أن كل طابق بنى فوق هذا الأساس سيمتلئ بالتشققات وسينهار على رؤوسنا فى يوم من الأيام، ولذا كان أفضل لنا جميعا أن نهدم الطابق الأول ومعه الأساس الذى بنى عليه، وبناء آخر جديد.
والحقيقة أن التحول الذى جرى فى مصر بعد 30 يونيو كان أهم ما فيه أنه وضع أساسا جديدا لبناء نظام سياسى ديمقراطى، فهناك دستور توافق عليه أغلب الشعب المصرى، وهناك ساحة للتنافس السياسى بين قوى تتفق على قواعدها الأساسية (رغم وجود الإخوان وحلفائهم خارجها) وانتخابات رئاسية مرجح أن يكون فيها تنافس بين شخصيات تتوافق على جوهر خريطة الطريق و30 يونيو ولا تتهم بعضها بالخيانة ولا تكفر المخالفين فى الرأى ولا تهين مؤسسات الدولة وتتآمر على الجيش وتعمل على هدم القضاء والشرطة وغيرهما.
التوافق الضمنى على قواعد اللعبة السياسية فى أى نظام سياسى (مدخلاته) هو شرط نجاحه (مخرجاته)، وأن لغة الخطاب ومضمونه وشكل التعبئة والحملات السياسية التى ستحكم التنافس فى الانتخابات الرئاسية القادمة هى التى ستحدد ما إذا كنا قادرين على التقدم أم لا، فلو اعتبر البعض السيسى «حكم عسكر» وتبنى العقدة المستوردة فى كراهية الجيش ولم يهتم بالنضال من أجل ضمان نزاهة الانتخابات، وعدم انحياز الدولة للمشير فلن ننتقل ولو نصف خطوة للأمام، ولو اعتبر البعض الآخر من المبايعين والمطبلين أن حمدين صباحى أجرم لأنه جرؤ وترشح فى مواجهة السيسى ويجب أن يدفع ثمن ذلك، فإننا أيضا سنهدم بيدنا مسارنا الوليد.
شكل إدارة انتخابات الرئاسة ومضمون المعركة بين المتنافسين هما اللذان سيحددان فرص نجاح النظام الجديد، فإذا كانت خلافات برامج ورؤى تحت مظلة الدولة الوطنية فإننا سننجح، وإذا أعادت تكرار مشاهد شبيهة بالتى شهدناها فى انتخابات مبارك (2005) فى استهداف منافسيه، أو الانتخابات الأخيرة فى عمق الاستقطاب فإننا سنفشل مرة أخرى وستكون هذه المرة قاسمة.
نقلاً عن "المصري اليوم"