عمرو الشوبكي
انتخابات حزب الدستور لها شقان: الأول هو العبور من الامتحان الصعب فى إجراء انتخابات تعددية على رئاسة حزب مصرى لم ينجح فيها (وبخسائر) إلا أقدم وأعرق الأحزاب المصرية، أى حزب الوفد حين تنافس فى 2008 كل من السيد البدوى ومحمود أباظة على رئاسته، وخسر الأخير رغم أنه كان رئيس الحزب، وتجربة حزب الدستور الجمعة الماضى، حين قدم خبرة لافتة، وشهد تنافساً حاداً بين ثلاث قوائم، اثنتان منها كانت على رأسهما سيدتان محترمتان، هما هالة شكرالله وجميلة إسماعيل، وفازت الأولى بالضربة القاضية، أى بأكثر من 50% من الأصوات الصحيحة، وحصلت على 108 أصوات فى مقابل 57 صوتاً لجميلة إسماعيل و23 صوتاً لقائمة د. حسام عبدالغفار، وهو تنافس اعتاد كثير من الأحزاب المصرية أن ينهيه فى أقسام الشرطة، وبتبادل الشتائم وإلقاء الكراسى.
أما الشق الثانى من نجاح حزب الدستور فهو اكتساح قائمة «فكرة توحدنا» بقيادة شخصية هادئة ورصينة ومهنية لتضيف إلى قوائم رؤساء الأحزاب اسماً جديداً مهنته ليست ثورية، وتاريخه ليس فقط فى الهتاف والاحتجاج، إنما سيدة لديها خبرة حقيقية وعميقة فى مجال العمل الأهلى والتنموى، عمقت بها خبرتها السياسية، وقدمت نموذجاً للمناضل السياسى الذى فى تاريخه مهنة أتقنها، أو اشتغلها، ويمكنها أن تساعده على تحويل الحزب السياسى من مكان للاحتجاج والمؤامرات الصغيرة إلى مؤسسة حقيقية قادرة على الحكم وإدارة شؤون البلد، إذا وصلت للسلطة، أو المعارضة عبر تقديم سياسات بديلة.
هالة شكرالله التى اعتبرها البعض «مستجدة» على الساحة السياسية (رغم تاريخها النضالى القديم) لأنها لم تظهر فى كل الفضائيات، ولم تدخل فى معارك تقطيع الهدوم الشهيرة فى مصر- لم يتوقعوا فوزها، فهى نموذج جديد على ساحة الصراخ السياسى، اشتغلت بنفس هادئ وعلمى، ونجحت فى أول اختبار سياسى لها نجاحاً من العيار الثقيل.
فوزها فى انتخابات الدستور ذكرنى بجلسة نميمة جمعتنى بأحد أصدقاء الجامعة، منذ أسبوعين، وقال لى (أى بعد عامين من الواقعة) إنه جلس قبل انتخابات مجلس الشعب مع بعض مناضلى مقهى شهير فى القاهرة، وأكدوا له أن «عمرو الشوبكى» لن يحصل إلا على أصوات الجيران وبعض أعضاء نادى الصيد: «لو خد 200 صوت يبقى كويس» وفوجئوا بأنى حصلت على أكثر من 200 ألف صوت فى دائرة مترامية الأطراف.
ما جرى فى الدستور كان فوز القائمة الأقل صخباً والأكثر مهنية، وهى بذلك تضع الحزب على طريق بناء مؤسسة سياسية حقيقية، وتنقله من صوت الاحتجاج الذى عانى منه منذ نشأته إلى النضج والعمل السياسى المنظم.
الصوت الاحتجاجى مطلوب فى كل المجتمعات، وأحياناً ما يكون صرخة ضمير تساعد النخب السياسية على تصحيح أخطائها ومراجعة مواقفها، والضغط عليها إذا تطلب الأمر لتغييرها، ولكن لا يمكن أن يكون العمل السياسى قائماً فقط على الاحتجاج والصراخ والصوت العالى.
تجربة الدستور تقول إن هناك شيئاً جديداً يتكون فى مصر، ويتصاعد، وهو أمر أكبر من تجربة انتخابات داخل حزب، ليصل إلى ميلاد نمط جديد فى ممارسة العمل السياسى، وكذلك من الوجوه السياسية، قد يغيِّر من طريقة تعاطينا مع السياسة والعمل الحزبى، ويساهم فى وضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة يكون فيها صوت البناء والنقد هو الصوت العالى، لا صوت الهدم والصراخ.
نقلاً عن "المصري اليوم"