توقيت القاهرة المحلي 10:54:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نضال فى الاتجاه العكسى

  مصر اليوم -

نضال فى الاتجاه العكسى

عمرو الشوبكي

هل النضال أنواع، وهل يمكن أن يكون هناك نضال يسير عكس الاتجاه، وهل يمكن أن يكون هناك ثوار يؤسسون لنظام رجعى رغم هتافهم كل يوم باسم الثورة والمجتمع الثورى؟ ما هو شكل أو بروفايل المناضل عكس الاتجاه؟ وما هو معنى أن يكون هناك تنظيم سياسى يسير أيضا عكس الاتجاه؟ ليس لأنه يسير عكس التيار أو الاتجاه السائد، إنما لأنه يسير عكس الاتجاه الذى رسمه لنفسه. إذا كنت تنتمى لجماعة سياسية، وخاصة يسارية، أو حزب أو شلة تسمى نفسها تنظيما ثوريا وتجد نفسك تضيع أكثر من 90% من وقتك فى النضال ضد رفاقك فى التنظيم وتدخل فى مؤامرات صغيرة وكبيرة من أجل استبعاد س وإحضار ص، وتعتبر ذلك نضالاً مشروعاً، وتبرر ذلك بنظرية الفشل التاريخى بأن تحرير الوطن يبدأ بالتخلص من س الرجعى وإحضار ص الثورى، مثلما فعلت كل تجارب الفشل العربى، التى اعتبر بعضها أن غزو الكويت هو طريق تحرير القدس، وأن إسقاط النظم الرجعية، حتى لو لم ترغب شعوبها فى إسقاطها، هو الطريق للقضاء على الاستعمار والإمبريالية. إذا نسيت ما قرأته فى الكتب الماركسية عن التناقض الأساسى والثانوى، ووجدت من يقول لك فى تنظيم ثورى قوامه 100 أو 200 شخص، وأن فلاناً سنة 68 خان الثورة لأنه كان مع فض اعتصام قاعة احتفالات جامعة القاهرة، وأن علاناً بسببه لم يسقط نظام السادات لأنه رفض خروج الطلبة من الحرم الجامعى، وأن أثناء موقعة الجمل والدماء تسيل من كل جانب قال أحد الثوار لقد ثبت أن موقفنا ونحن فى الجامعة صحيح وأن موقف الفصيل الآخر كان خائنا. إذا غابت عنك البوصلة ووجدت نفسك «تناضل» فى أمور لا علاقة لها بالهدف الذى قام من أجله حزبك أو تنظيمك وتحول النضال من نضال ضد سلطة مستبدة إلى نضال ضد رفاقك فى الحزب أو فى الدكانة المنافسة، وإذا لم تراجع نفسك قبل أن تنام كل يوم لتقيم ما تشاهده، وتركت نفسك مستنفذا فيما تتصور أنه نضال يومى وتنسى أنه عكس الاتجاه وعكس هدفك. نضال كثير من التنظيمات الشيوعية والقوى الاحتجاجية والثورية كان نضالا ضد بعضها البعض، وحين خرج بعضها من ثقافة الاحتجاج وحاول أن يقدم بديلا من أى نوع للنظم التى قضى عمره من أجل إسقاطها ينهال عليه السباب والتخوين من كل جانب، لأن المفروض أن يكون صوت احتجاج وفقط، لا أن يكون صوت بناء وتقدم. إن استنزاف الطاقة فى هذا النوع من الممارسات التى تجعلك فى النهاية فى لحظة الامتحان ويوم الحساب ترسب بامتياز، فقد أهدرت طاقتك فى شتم وتخوين كل المنافسين، وأن رد الفعل الأول الذى يأتى فى ذهنك هو «كيف أسقط فلان»، والحقيقة أن السياسة فى البلاد الديمقراطية فيها «كيف أسقط فلان»، ولكن قبلها تقدم بديلا وتبنى قواعد، ثم تبدأ فى «التكتيك» لإسقاط المنافس أو الخصم، أما الإسقاط لمجرد الإسقاط وأنت قدراتك على باب الله فتعنى أنك أفرغت طاقتك فى الهدم وغابت عنك تماما طاقة البناء وصناعة البديل. هل وجدت بلدا يوجد فيه مناضلون على الفيس بوك لا يجدون فى أى مرشح لموقع المسؤولية إلا جوانب هامشية ليس مهما فيها قدرته على العطاء أو كفاءته أو نزاهته، فمثلا إبراهيم محلب واحد من أكفأ وزراء الحكومة السابقة، ترك كل ذلك ولم يروا تصحيح الخطأ إلا أنه كان عضوا سابقا فى الحزب الوطنى، وبدلا من أن تقترح بدائل وتعرف أسباب أوجه القصور فى وزارته السابقة- أى الإسكان- وما هى اقتراحاتك لتطويرها، وما هى مطالبك ومطالب تنظيمك من الوزارة الجديدة، تكتفى بأن تقول إنه فلول لأن الأمور الأخرى تخص الجماهير التى لا تراها وتمارس كل صور الاستعلاء عليها. إذا كان تنظيمك يختار النضال المريح وغير المكلف ويقسم الناس فى قوالب جاهزة تمنعك من التفكير والمراجعة، فتأكد أنك تسير عكس الاتجاه وتعيد تكرار تجارب الفشل نفسها حين كانت فى مصر تيارات وطنية كبرى وزعماء يصنعون تاريخ هذا البلد، وكان هناك من يثرثرون ويزايدون عليهم فى المقاهى. مشكلة مصر أن طاقة الهدم منتشرة داخل الأحزاب وخارجها، فهل شاهدت رفيقك فى الحزب يشتم آخر لمجرد أنه حقق نجاحاً بعيداً تماماً عنه، رغم أنه لم يأت على حسابه؟ الإجابة نعم بالتأكيد، وهى أمور تجدها بين زملاء العمل ورفاق النضال وأخوة الجهاد، وخطورة هذا المشهد الفردى أنه ينعكس على طريقة عمل بناء المؤسسات، فداخل كل حزب وداخل كل مؤسسة مدنية هناك حالة من الانفلات والاستباحة، فالمدير أو الرئيس يقضى معظم وقته فى مواجهة طاقة الهدم داخل مؤسسته، فلا يوجد حزب سياسى قادر على أن يستوعب أجنحة وتيارات مختلفة داخله، فهناك خطط المدير أو الرئيس أو المسؤول، وهناك خطط إسقاط الجميع، حتى لو كان الثمن هو هدم الحزب نفسه أو تطفيش من دخلوا لممارسة عمل سياسى وليس مؤامرات حزبية، فطاقة الهدم داخل تنظيمك تجعلك تقضى معظم وقتك فى التخطيط لاستبعاد س أو ص دون أن تستثمر ربع هذا الوقت فى بناء بديل للشخص الذى يهدفون إلى استبعاده. إذا وجدت نفسك فى هذا التنظيم أو تلك الجماعة وطلب منك أن تقضى عمرك فى هذا النوع من المعارك فاعرف أنك تسير عكس الاتجاه، وأنك لا تشارك فى عمل نضالى من أى نوع يغير أى شىء فى هذا البلد. وإذا فتح الله عليك وتركت التنظيمات الثورية وانتقلت إلى «حزب ثرى»، وطلب منك (أو اضطررت) أن تصمت وأنت تشاهد تزوير انتخابات داخل حزبك أو أن تجد زميلك يشترى أصواتا داخل محافظتك فتأكد أنه مهما تحدث هذا الحزب عن مبادئ الديمقراطية والدولة المدنية فى شعاراته اليومية وفى الواقع العملى يمارس عكس هذه الشعارات فلا يجب أن تثق فى أنه سيحقق حرفاً واحداً من شعاراته فى الواقع العملى. لا تثق فى تنظيم يقضى وقته فى هدم كل شىء الرفاق المختلفين، والسياسيين المعارضين والدولة المأزومة، ولا تثق فى حزب ليست له رسالة ولا رؤية ويطرح شعارات براقة ويمارس فى الخفاء ما هو عكسها ولا تترك نفسك لهذا أو ذاك. نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نضال فى الاتجاه العكسى نضال فى الاتجاه العكسى



GMT 08:57 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 08:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 08:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 08:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 08:53 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 08:52 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 08:50 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 08:49 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 01:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا
  مصر اليوم - اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon