عمرو الشوبكي
اعترض بعض الأدباء والمثقفين وموظفى وزارة الثقافة على ترشيح الدكتور أسامة الغزالى حرب، وزيراً للثقافة فى حكومة المهندس إبراهيم محلب، واعتبروه تجاهلاً واضحاً واستخفافاً بالمثقفين، وهو يأتى فى إطار حملات الاعتراض التى شملت أكثر من مرشح باعتباره من خارج الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة البيروقراطية المخول لها دون غيرها الموافقة على جدارة الوزير بتولى المنصب، فوزير الثقافة يجب أن يكون ابن وزارة الثقافة، ووزير التعليم لابد أن يكون من بين أساتذة الجامعات ويرضى عنه المجلس الأعلى للجماعات أو يرشحه، ولا يمكن أن يأتى من خارج أيهما مهما كانت كفاءته العلمية والسياسية، وكما هو حادث فى كل البلاد الديمقراطية.
لقد تراجعت مصر خطوات كبيرة للخلف بهذه الطريقة فى اختيار الوزراء. صحيح، وكما ذكرنا من قبل، نحتاج إلى شراكة بين رجال الدولة ورجال الأحزاب لفترة من الزمن حتى تستطيع الأخيرة أن تقدم كوادر حقيقية قادرة على إدارة شؤون البلاد، إلا أن هذا لا يعنى اقتصار مرشحى رجال الدولة على موظفى كل وزارة، حتى اعتبرت بعض الوزارات أنها أقل من الأخرى، لأن الوزير يأتى من خارجها، وكثيراً ما سمعنا جملة أن الوزارة بها كفاءات فلماذا يأتون بوزير من خارج الوزارة.
والمفارقة أن هذا المنطق الذى أدخلنا فى فشل مستمر على مدار 30 عاماً لم يقدم لنا حلاً ناجزاً ومحترماً فى وزارة اعتادت أن تختار وزراءها من داخل بيروقراطيتها كوزارة الرى، فوجدنا شتائم وشجاراً بالأيدى وتهديداً بفضح المستور بين الوزير السابق والوزير المرشح، بما يعنى أن غلق الاختيار على «جيتو البيروقراطية» لم يحل المشكلة بل أحيانا عقدها، وسيجعل الصراع داخل الوزارات على منصب الوزير أكثر شراسة وسيؤثر على طبيعة العمل الفنى والمهنى الذى يفترض أن يقوم به «كادر الوزارة».
ولذا بدا البيان الذى وقعه «المثقفون والفنانون والكتاب» اعتراضاً على ترشيح أسامة الغزالى حرب صادماً، وجاء فيه: «نعلن رفضنا القطعى والنهائى لما قام به رئيس الوزراء المصرى، بشأن اختيار الدكتور أسامة الغزالى حرب لتولى حقيبة وزارة الثقافة فى هذه المرحلة الفارقة من مراحل الدولة المصرية وثورتها المجيدة 25 يناير و30 يونيو.
ونؤكد فى هذا السياق اعتراضنا على هذا الاختيار المسيّس الذى يدل على استخفاف بمؤسسات وزارة الثقافة وقياداتها وفنانيها، باختيار شخصية لا علاقة لها بالعمل الثقافى إدارة وإبداعا، وكأنما عدمت الثقافة المصرية رجالها وقياداتها وكوادرها إلى درجة اختيار شخصية معروفة بتحيزاتها الحزبية قبل ثورة يناير، إذ كان الدكتور أسامة الغزالى حرب عضواً بلجنة السياسات بالحزب الحاكم، وبعد ثورة يناير رئيساً لحزب الجبهة فى وقت نرغب فيه تحييد الانتماءات الحزبية والتأكيد على حكومة التكنوقراط».
بيان مثقفين يكره السياسة والحزبية بغرض أن تقسم الكعكة بين العاملين فى الحقل الثقافى وهو أمر فى الحقيقة صعب قبوله أو تخيل صدوره من «مثقفين».
استبعاد الغزالى حرب من منصب وزارة الثقافة بهذه الطريقة يعد كارثة حقيقية، وتحويل الثقافة إلى حقل وظيفى «ملىء بالكفاءات» يجب ألا يُقبل أحد من خارجه كما ردد بعض المثقفين والسينمائيين أمر صادم للجميع.
المدهش أن الحقل الثقافى فى مصر هو الحقل الأكثر مدنية وانفتاحاً، واعتادت رموزه أن تطالب بأن يكون فى مصر وزير دفاع مدنى ووزير داخلية حقوقى، وحين تعلق الأمر بأمورهم عادوا إلى «حكم القبيلة» ورفضوا مثقفاً وسياسياً بارزاً مثل أسامة الغزالى حرب لأنه ليس موظفاً فى وزارة الثقافة، ومن خارج الأسرة الثقافية كما قالوا.
نقلاً عن "المصري اليوم"