عمرو الشوبكي
أعرف الراحل د. عزازى على عزازى منذ ما يقرب من ربع قرن وتحديداً قبل أن أسافر إلى فرنسا لاستكمال دراستى، وكان منذ أن عرفته، وحتى آخر لقاء جمعنى به قبل سفره إلى الصين فى أحد مقاهى حى المقطم، وقبل رحيل حكم الإخوان بأسابيع قليلة، ثابتاً على مبادئه لا يحيد عنها.
لم يتغير عزازى الذى عرفته بعد أن أنهيت دراستى الجامعية بقليل وحتى لقائى الأخير معه، فقد ظل شخصاً رائعاً ونبيلاً يقول ما يؤمن به، تاريخه النضالى لم يكن للوجاهة الاجتماعية أو الفضائية، مواقفه السياسية حتى لو اختلفت مع بعضها لا تمتلك إلا أن تحترمها.
الرجل كان من أبرز معارضى مبارك وكان رمزاً ناصرياً مخلصاً لقناعاته، مؤمناً بما يقول، ولم يكن مجرد مناضل سياسى عارض مبارك، فكثير عارضوه وكثير انقلبوا عليه بعد أن جلسوا على مقاعد السلطة، وعزازى كان من المعدن الأصيل، فقد قبل أن يصبح محافظا للشرقية فى وقت صعب، ورفض أن يستمر فى منصبه بعد أن وصل الإخوان للسلطة، لأن الأخيرة ليست هدفا إنما وسيلة لتحقيق هدف ورؤية.
عزازى، الحاصل على ليسانس آداب من جامعة الزقازيق وعلى دكتوراة فى الأدب والراوية، حافظ على رونق الكتابة الأدبية والموقف السياسى، وبقى مخلصاً لما يقول حتى آخر رمق.
قبل ثورة يناير كنا نلتقى كثيراً فى حضور أصدقاء آخرين، منهم النائب السابق علاء عبدالمنعم والقيادى الناصرى أمين إسكندر والجيولوجى طارق حسان وآخرون، وكان المكان المعتاد مقهى فى المقطم. لم نتفق فى كل شىء، ولم نختلف أيضا فى كل شىء، ولكن ظل دائما من أكثر الناصريين الذين قدموا جديدا فى خطابهم، وتفهم آرائى التى لم تتفق فى أحيان كثيرة مع اختيارات التيار الذى يمثله.
قيمة عزازى أنه كان شخصاً مخلصاً ومحترماً، اجتهد فكرياً فى أن يقدم رؤية ناصرية جديدة شعبية وديمقراطية كسر فيها طوق التنظيمات المغلقة التى تنظر باسم الناس دون أن تعرفهم، وراجع أفكاره على ضوء نبض الشارع وليس فى مواجهته.
عزازى لم يكن مجرد سياسى، ولم يكن محافظاً للشرقية فى ظرف صعب، إنما كان أيضا رئيس تحرير فى وقت أصعب، فقد رأس تحرير صحيفة الكرامة الناصرية، ووجدته يتصل بى يطلب أن أكتب عموداً فيها، وكان حريصاً أن يحول صحيفته إلى منبر متنوع للآراء المختلفة، واعتذرت فى البداية لضيق الوقت، ولكن أمام إلحاحه وافقت على الكتابة لفترة استمرت حوالى 6 أشهر قلت فيها آراء اتفقت مع خط الجريدة، وأخرى مختلفة، وكان سعيدا بالاثنين لأنه كان مؤمنا حقيقة بالديمقراطية.
عزازى كان سياسياً كبيراً وصحفياً كبيراً أيضاً، وكانت موهبته لا تتوقف عند حدود الكتابة السياسية، إنما وصلت أيضا إلى حدود النقد الأدبى.
القدر رتب أن أكتب هذا العمود عن عزازى بعد رحيله فى نفس يوم كتابة عمودى اليومى «أفكار» فى صحيفة الكرامة (ظهر الجمعة)، وكان عادة ما يتصل بى لاستعجال العمود، وإذا كنت قد عملت الواجب وأرسلته، فيتحول حديثنا فى السياسة وأوضاع البلد.
تذكرت صوته وحديثه الأسبوعى معى وأنا أنعيه فى نفس اليوم، رحم الله عزازى مناضلاً شريفاً ونبيلاً ومخلصاً وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
نقلاً عن "المصري اليوم"