عمرو الشوبكي
يستند الحديث عن الرواية الثانية فى قراءة ما جرى فى مصر بعد 3 يوليو إلى مرجعية فكرية وسياسية، اختلفت عن تلك التى تبنت الرواية الأولى السائدة منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة منذ أكثر من قرنين، وأسست للقراءة المنتصرة بعد 3 يوليو.
ما هو الأساس السياسى «العاقل» والديمقراطى الذى تمثله الرواية الثانية بعيداً عن العنف والإرهاب الذى يمارسه بعض أنصارها، خاصة من عناصر جماعة الإخوان المسلمين؟ وما هى الديناميكية الخاصة التى تجعل هناك أنصاراً دائمين للرواية الثانية قادرين على البقاء؟ وما هى الشروط التى قد تسمح لهم بالوصول يوما ما للسلطة؟
إن جانباً كبيراً من أنصار الرواية الثانية هم التيار الإسلامى، الذين انفصلوا سياسياً وشعورياً عن الدولة الوطنية بنظمها المختلفة، فقد ظل منذ ثورة 1919 خارج كل الترتيبات التى بنيت عليها مؤسسات الدولة المصرية الحديثة، فلم يكن حاضرا فى دستور 1923، ولا دستور 1971، وظل لأسبابٍ كثيرٌ منها تتعلق ببنيته الفكرية والسياسية فى غُربة شبه كاملة عن الدولة التى ارتابت فيه وفى ممارساته.
وبعد ثورة يوليو، ظل التيار الإسلامى خارج مؤسسات الجمهورية بالكامل، من شرطة وجيش وقضاء وإدارة، لأسبابٍ كثيرٌ منها يتعلق بعقيدة هذا التيار نفسه، وبعضها يتعلق بغياب الديمقراطية عن نظم هذه الدولة، ولكن النتيجة كانت واحدة، وهى شعور هذا التيار وقطاع واسع من أنصاره بالغربة عن مؤسسات الدولة، وفى القلب منها جيشها الوطنى، فلم يشعر بانتصاراته، وشمت فى هزائمه، وكأنه لا علاقة له بهذا البلد.
إن ما يراه الناس من مشاعر كراهية غير مسبوقة، يبديها الإخوان فى مواجهة الدولة بصورها، لم يعرفها أى معارض سابق يجعل من الصعب فصل الموقف السياسى العدائى للمسار الحالى عن حالة الغُربة التى عاشتها الجماعة عن كل ما بنته الجمهورية فى مصر، وليس فقط نتيجة الإقصاء عن السلطة والشعور بالظلم، وهذا على عكس موقف الغالبية العظمى من التيارات المدنية التى تشعر أن الدولة القائمة هى دولتها حتى لو اختلفت فى تقديراتها لنظمها السياسية، وتفاوتت مواقفها من الليبرالية والناصرية
المؤكد أنه من استبعدتهم الدولة من التيار الإسلامى، ومن يعارضون المسار الحالى من بعض التيارات المدنية يدافعون عن رواية ثانية قادرة على أن تصنع بديلاً حقيقياً وديمقراطياً للرواية الأولى، بشرط ألا تكون هى رواية العنف والكراهية التى يمارسها الإخوان حاليا، ولذا فإن المرشح للقيام بهذا الدور هو إسلاميون من خارج الإخوان، يؤسسون مشروعهم الجديد على فكرة تجسير الفجوة مع الدولة الوطنية، والتوقف عن الشماتة فى عيوبها (وهى كثيرة) وكأنها دولة الأعداء.
أما أنصار الرواية الثانية من التيارات المدنية، فهم 3 أنواع: الأول احتجاجى سيظل معنا فى ظل حكم أى رئيس مهما كان توجهه ومهما كانت مميزاته، وهو قادر على أن يصبح صوت ضمير وقوة ضغط على النخب الحاكمة لكى تسمع لصوت الشارع، والثانى مندوبو الخارج من كارهى الدولة الوطنية، لأن شبكة مصالحة الخارجية تفرض عليه مثل هذا الموقف، والثالث أصيل نتيجة قناعات ليبرالية وطنية حقيقية.
الرواية الثانية قد تحكم مصر فى خلال 8 سنوات، إذا صارت مدنية وديمقراطية تؤمن بالدولة الوطنية وتعمل على إصلاح مؤسساتها، وتحدث قطيعة حقيقية مع كل الممارسات التخريبية التى نشاهدها الآن حتى لو كان على يسارها ويمينها قوى محافظة أو ثورية.
نقلاُ عن جريدة "المصري اليوم "