عمرو الشوبكي
فاز حزب أردوجان بنسبة تقترب من الـ50% فى الانتخابات المحلية التى جرت يوم الأحد الماضى، وحصل حزب الشعب الجمهورى المعارض على ما يقرب من 30% من أصوات الناخبين، وأكد الحزب الحاكم على ما سبق أن ذكرناه عن وجود ماكينة انتخابية قوية تصعب من خسارته فى أى انتخابات، خاصة البلدية.
والمؤكد أن النظر لتجربة أردوجان من خلال فقط دعمه لتجربة الإخوان الفاشلة أمر فيه كثير من القصور، فلا أحد ينكر أن رحلة حزبه العدالة والتنمية هى رحلة نجاح، قبل أن تبدأ منذ هذا العام فى الهبوط السريع بعد أن أصاب الرجل تسلط البقاء الطويل فى السلطة (ما يقرب من 12 عاما)، والرغبة فى الاستمرار بأى ثمن إلا طبعا تزوير الانتخابات كما كان يجرى عندنا.
إن معضلة أردوجان وحزبه المهيمن (راجع مقال صعود وهبوط أردوجان فى 26 /9/ 2013 بـ«المصرى اليوم») تتمثل فى امتلاكه ماكينة انتخابية وسياسية كفئة قد تضمن له لسنوات طويلة ما بين 50 و60 فى المائة من أصوات الناخبين، وهو ماحدث فى تجارب كثيرة ليس لها علاقة بالعالم الإسلامى ولا الإسلاميين، مثل جنوب أفريقيا مع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وفى روسيا الاتحادية، وفى المكسيك لفترة طويلة من الزمن (استمرت 70عاما)، ويحدث الآن فى تركيا.
والحقيقة أن فوز أردوجان فى الانتخابات البلدية متوقع نظرا لقوة الحزب فى المحليات وبلديات المدن المختلفة، فالنجاح الذى حققه أردوجان لم يكن نجاحا تليفزيونيا أو نخبويا من أعلى إنما كان نجاحا من أسفل حين أسس لقاعدة اجتماعية جديدة مختلفة عن شبكة المصالح التى ارتبطت بالأحزاب اليمنية المدعومة من الجيش التركى، والتى اعتمدت عليه فى تحركاتها وعلى نخبة المدن الكبرى من الشرائح العليا، إلى أن جاء أردوجان وغير المعادلة فى إسطنبول ومعظم المدن التركية الصغيرة (تعثر بدرجة كبيرة فى أنقرة معقل العلمانية الأتاتوركية).
إن تجربة حزب العدالة والتنمية هى تجربة تجديد كبرى جرت على الحركة الإسلامية التركية، فهو الجيل الذى انشق عن حزب الرفاه بقيادة أربكان (الطبعة التركية من تجربة الإخوان) عقب فشله وتدخل الجيش عام 1997 بعد عامين من وصوله للحكم، فيما عرف بالانقلاب الناعم، وهو ليس مثل حكم جماعة الإخوان المغلقة التى بقيت على حالها منذ تأسيسها عام 1928 وحتى وصولها للسلطة، إنما هى التجربة المحملة بأفكار عملية وأعلنت انتماءها للنظام العلمانى الديمقراطى، وإيمانها بمبادئ الجمهورية التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، ونجح فى تحقيق أهم إنجازات اقتصادية وسياسية شهدتها تركيا منذ عقود طويلة.
صحيح أن أردوجان واجه تحديات كبيرة وانتقلت له أمراض البقاء الطويل فى السلطة، وتعامل باستعلاء وتسلط مع معارضيه خاصة الشباب، وبجهل مع ماجرى فى مصر، وبقيت الرسالة الأولى والدائمة لنتائج الانتخابات البلدية التركية تقول لنا إنه لا يمكن أن تسقط أى نظام مهما كانت عيوبه بالاحتجاج فقط، فطالما أن المعارضة، أو أقسام منها، مازالت صوتا احتجاجيا فسيبقى أردوجان فى السلطة ولو لبعض الوقت.
سيبقى أردوجان فى السلطة حتى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية فى نهاية هذا العام، ولكن أمامه مخاطر كثيرة منها أن حزبه قد يخسر الانتخابات أو يفقد أغلبيته البرلمانية وهى 51%، وقد يفشل أيضا فى تمرير مشروع دستور جديد لنظام شبه رئاسى سيسمح له بالترشح كرئيس للجمهورية، وقد تتحول المنافسة بينه وبين رئيس الجمهورية عبدالله جول إلى صراع على السلطة، ويعاد بناء حزب العدالة والتنمية على أسس جديدة تتجاوز أردوجان أو على الأقل تقلص من طموحاته وميوله التسلطية.