عمرو الشوبكي
الثورة المصرية حملت مشهدين لم يتجاوزهما معظم الناس، الأول هو صورة هذا الشباب الواعى المخلص السلمى الذى خرج فى 25 يناير يتظاهر فى ميادين مصر المختلفة طلباً للحرية، ويحمى بعضهم بعضا، ويرفع مطالب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هذا الشباب الذى رآه العالم كله ينظف «ميدان التحرير» عقب سقوط نظام مبارك فى مشهد غير معتاد بعد الثورات، كما بهرته صورة أخرى لشباب سكندرى تتشابك سواعده لحماية مكتبة الإسكندرية. ولم تغب صفوف المصريين الحاشدة، والممتدة أمام لجان الاقتراع فى كل استحقاق انتخابى سواء كان استفتاء أو انتخابات برلمانية أو رئاسية.
أما المشهد الثانى فهو الانفلات الأمنى، تدهور مستوى الانضباط والنظام فى الشارع، ظهور ما يُطلق عليه «الطرف الثالث»، انتهاكات أمنية وحقوقية، عنف وإرهاب أعمى يستهدف رجال الشرطة والجيش ويفسد على المصريين طريقهم فى بناء الديمقراطية ودولة القانون، وعرفت مصر ظاهرة «الحرق»، التى تقبلتها كل الأطراف بدءاً من حرق مبنى الحزب الوطنى وأقسام الشرطة فى 28 يناير2011، الذى ابتهج له كثيرون، ثم امتد لحرق مقار أحزاب المعارضة مثل «الحرية والعدالة»، والاعتداء على بعض القنوات التليفزيونية، وبلغ ذروته فى الاعتداء على أقسام الشرطة، ومبانى المحاكم، والكنائس فى أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسى. ارتبط ذلك بتفشى موجة جديدة من التكفير السياسى والدينى، والتخوين والتشكيك، والاستقطاب الحاد، وتدنى لغة الحوار، والمواجهات العنيفة، وإراقة الدماء.
لم تحقق الثورة المصرية أهدافها فى «العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية»، صحيح أنها استطاعت أن تسقط نظامى مبارك ومرسى، لكنها لم تستطع أن تقيم نظاما ديمقراطيا يحقق أهداف وشعارات الثورة. وشهدت صراعات بين قوى سياسية بدلا من إعادة بناء الدولة والمؤسسات السياسية، ولم تسع لحل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، انتهت بقطف الإخوان المسلمين ثمار الثورة، لكنهم حاولوا إدارة الدولة بعقلية الجماعة بهدف ابتلاع الدولة فى الجماعة، ومن المعروف أن الدولة أكبر من أى جماعة، وبالتالى أخفقوا، وخرج الشعب فى 30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان المسلمين.
إن مشهد الثورة السلمية والحلم الكبير طوال الـ18 يوما من حكم مبارك، تراجع أمام مشاهد الفوضى والاضطراب السياسى، حتى دفع بقطاع واسع من أنصار الثورة إلى تحميلها مسؤولية ما جرى.
المؤكد أن مشكلة مصر لم تكن فى الثورة إنما أساسا فى طريقة إدارة المسار السياسى الذى أعقبها، فحتى من يؤمنون بالإصلاح وليس الثورة فإنهم يعتبرون الثورة فعلاً اضطرارياً يحدث نتيجة عدم قيام النظام بأى إصلاحات، وبالتالى فإن من يدينون الثورة المصرية عليهم أولا أن يعرفوا الأسباب الكامنة فى نظام مبارك التى أدت إلى تفجرها.
ولأن الثورة وسيلة وليست هدفاً فإن النظم الديمقراطية تتطور من خلال عملية سياسية قادرة على دمج معظم التيارات السياسية والحزبية من خلال النظام الديمقراطى، وفى حال الفشل السياسى والاقتصادى والرغبة فى توريث السلطة فإن الثورة التى لا يتمناها الكثيرون تصبح رد فعل على هذا الفشل.
علينا أن نستعيد روح المشهد الأول، روح البناء وصناعة التقدم لهذا البلد.