عمرو الشوبكي
اعتدت أن أكتب عن «مصر ليست»: تونس أو تركيا، وأيضا ليست إيران أو سوريا، وهذه المرة سأكتب على بلد عزيز على كل عربى فى طريقه أن يكرر تجربة مبارك فى مصر، لأنه لم يتعلم من أخطاء الآخرين، وليست هذه المرة مصر التى تسير على طريق الجزائر فى تكرار مأساة ما عرف بالعشرية السوداء (التسعينيات) حين دخلت البلاد فى اقتتال أهلى راح ضحيته 100 ألف قتيل.
هذه المرة وبكل أسف الحكم الجزائرى اختار أسوأ الخيارات بترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية (عهده كما يقال فى الجزائر) رابعة، بعد أن ظل 20 عاما فى السلطة فى مشهد صادم لكل من عرف الجزائر واحترم تاريخها المشرف.
بوتفليقة رجل له ماضٍ نضالى كبير ضد الاستعمار الفرنسى، وكان من قيادات جبهة التحرير الجزائرية التى حاربت المستعمر وحررت الجزائر ودفعت مليون شهيد ثمنا لذلك، مبارك بدوره كان بطلا من أبطال حرب أكتوبر، وتصرف كرجل دولة حين ثار الشعب ضده وقرر التنحى وترك السلطة دون مقاومة تذكر، إنه تشابه تاريخى ولو فى بعض الجوانب.
السلطة الأمنية والعسكرية فى الجزائر ضغطت على الرئيس بوتفليقة المريض لكى يترشح فى انتخابات الرئاسة، رغم أن الرجل لم يكن محبذا لهذا القرار، وهو موقف كارثى، بكل معنى الكلمة، أن تفشل النخبة الحاكمة فى أن تقدم مرشحا جديدا قادرا على المنافسة فى انتخابات حرة وديمقراطية وتتمسك برجل ظروفه الصحية لا تسمح له بالحركة من الأساس.
هل يعقل أن يمتلك بلد وحزب مثل جبهة التحرير هذا التاريخ النضالى ويعجز عن أن يجدد نفسه واستغل إعطاء الشعب الجزائرى «شيكا على بياض» لدولته وجيشه لكى تحارب الإرهاب، ونجحت بثمن باهظ؟ إلا أن هذه الشرعية لم تعد قادرة على الصمود أمام إصرار الدولة على التمسك بالرئيس الحالى بوتفليقة كمرشح لها لمدة رئاسية رابعة، رغم مرضه الشديد، واستهانتها بكل الأصوات الاحتجاجية والشبابية فى طول البلاد وعرضها على طريقة خليهم يتسلوا التى قالها مبارك فى مصر ذات مرة.
معضلة كثير من بلاد العالم العربى، ومنها مصر والجزائر، التى خاضت فيها دولها الوطنية معارك شرسة (بوسائل مختلفة) ضد الاستعمار، وتبنت فى مرحلة سابقة خطاب التحرر الوطنى، أنها ظلت فى حاجة لتجديد هذه الشرعية ووضعها فى قالب ديمقراطى حديث، صحيح أن تحديات كثيرة فى الداخل، منها الإرهاب وجماعات العنف الدينى، عطلت من هذا التحول، إلا أن شرعية مواجهة الإرهاب لن تبنى بمفردها نظاما سياسيا قادرا على البقاء. وكما كانت هناك شرعية تاريخية لخطاب التحرر الوطنى الذى مثل وجها ناصعا من تاريخ مصر والجزائر، إلا أنه لم يعد ممكنا أن تقول للأجيال الجديدة اصمتوا لأن آباءكم وأجدادكم حاربوا الاستعمار كما يتصور قادة جبهة التحرير فى الجزائر، ونفس الأمر ينسحب على ما يجرى الآن فى مصر، فلن تستطيع أن تقول للأجيال الجديدة اصمتوا لأن الجيش أنقذكم من حكم الإخوان.
إن رسالة الاستهانة التى تقدمها النخبة الحاكمة تجاه الشعب الجزائرى وتقول لهم اصمتوا فسنفرض عليكم رئيسا مريضا، حتى لو اعترفنا بفشلنا فى التوافق على مرشح آخر، هو أمر لن يمر فى الجزائر، فأسوأ شىء أن ينظر بعض الحكام إلى شعوبهم وكأنهم غير موجودين، فكما كان مشروع التوريث مهينا للشعب المصرى فثار على حاكمه الذى تجاهل وجوده، فإن الشعب الجزائرى رغم مأساته فى التسعينيات لن يقبل أن يستمر هذا الوضع، فإما أن نفاجأ بانتخابات ديمقراطية وينتخب الشعب مرشحا آخر (بن فليس مثلا) أو ينتفض انتفاضة جديدة يسقط فيها النظام ويتعرض لأخطار كثيرة.. فهل سيعقل من فى يدهم الأمر؟
"المصري اليوم"