عمرو الشوبكي
فاز الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة كما هو متوقع فى انتخابات الرئاسة، وحصل على 81% من أصوات الناخبين فى انتخابات شهدت عمليات تزوير واسعة، وأفقدت النظام القائم جانبا كبيرا من شرعيته السياسية، وفقد الرئيس ذو التاريخ النضالى والنجاحات السياسية مصداقيته، فالرجل كان أحد أبطال حرب التحرير فى الجزائر ضد المستعمر الفرنسى، وأيضا كان له دور كبير فى مواجهة الإرهاب وإقامة السلم الأهلى ووضع أساس للمصالحة الوطنية فى الجزائر، ومع ذلك أصرت المؤسسة الأمنية والعسكرية على أن تفرضه على الشعب الجزائرى وترشحه لولاية رابعة، رغم مرضه الشديد، ورغم أن الناس شاهدوه يصوت وهو قعيد وفى حالة صحية تستلزم التقاعد لا الحكم.
السلطة لها غواية بلاشك، ولكن الكارثة حين تفشل الدولة الجزائرية فى أن تجدد نفسها وأن تتوافق على مرشح آخر غير المرشح المريض، بل تقوم بعملية تزوير وتجييش لكل الأساليب الرديئة من أجل إسقاط منافسه على بن فليس الذى كان رئيساً للحكومة وجزءاً من النظام القائم (حصل على 13%).
إن ما جرى فى الجزائر يعرقل مسار التقدم والتحول الديمقراطى فى العالم العربى، ويجعل هذا البلد الكبير متأخرا عن جيرانه فى المغرب العربى، فهو لم يختر طريق الثورة مثل تونس التى باتت على طريق تأسيس نظام سياسى ديمقراطى جديد، ولا طريق المغرب التى تقوم بإصلاحات متدرجة من داخل النظام الملكى، ولم تسقط فى مستنقع الإرهاب نتيجة تقاليد هذا النظام وشرعيته التاريخية، أما الجزائر فقد أسست دولتها الحديثة فى عام 1962 على شرعية وحيدة هى حرب التحرير الشعبية فى مواجهة المستعمر، وليس كما كان الحال فى مصر والمغرب اللتين امتلكتا دولتين ضاربتين فى جذور التاريخ، وارتبطتا بتقاليد مدنية ودينية أيضا فى قالب مدنى أكثر اتساعا ورحابة من خبرة الدولة الوطنية الجزائرية.
وتعرضت الدولة الجزائرية الحديثة فى بداية التسعينيات لخطر الإرهاب، ودخلت فى معركة شرسة ضد الجماعات الإرهابية، وارتكبت أخطاء كثيرة، لكنها نجت من مصير السقوط ونجا معها الشعب الجزائرى الذى حافظ على دولته بثمن باهظ وبأخطار لم تختف كلها بعد.
إن هذا الانتصار على الإرهاب بثمنه الباهظ كان يستلزم بعد عودة الاستقرار النسبى إلى الجزائر أن تجرى إصلاحات سياسية وديمقراطية، وأن يكتفى رأس الدولة الذى بقى فى السلطة 15 عاما بهذه المدة، ويترك خلفه إنجازات حققها واحترام قطاع واسع من أبناء الشعب الجزائرى والشعوب العربية له، ولكنه اختار أن يفوز فى انتخابات مشكوك فى نزاهتها، ويهزم الديمقراطية بضربة قاصمة.
إن رسالة الاستهانة التى تقدمها النخبة الحاكمة فى مواجهة الشعب الجزائرى وتقول لهم اصمتوا فسنفرض عليكم رئيسا مريضا، لأننا لم نعترف بفشلنا فى التوافق على مرشح آخر، ولم نسمح بإجراء انتخابات حرة تستبعد فقط الإرهابيين والمحرضين على العنف، هو أمر لن يمر فى الجزائر، فأسوأ شىء أن ينظر بعض الحكام إلى شعوبهم وكأنهم غير موجودين وليسوا رقما فى أى حسابات.
إن الشعب الجزائرى، رغم مأساته فى التسعينيات، لن يقبل أن يستمر هذا الوضع طويلا، وسينتفض انتفاضة جديدة قد يسقط فيها النظام برمته، مهما كانت أخطار هذه الخطوة، وسيظل الإصلاح طريقا أفضل وأضمن من الثورة فى بلد دفع ثمنا باهظا للاقتتال الأهلى، ويجب ألا يدفعه بصورة أخرى فى اقتتال سياسى.
"المصري اليوم"