قارن البعض الانتخابات البرلمانية الأخيرة بانتخابات 2010 واعتبروها مثلها من حيث النتائج، حتى لو اختلفت الآليات المستخدمة، فى حين أن الواقع يقول إن 2015 من عائلة مختلفة عن 2010 حتى لو تشابهتا فى بعض النتائج وحتى لو حملتا علامات غير صحية، إلا أنهما ليستا أبناء نفس الأب أو السياق ولن تكون مآلات 2015 مثل 2010.
والحقيقة أن انتخابات 2010 رتبت فى ظل نهاية نظام فقد جزءاً كبيراً من شعبيته، وكان المجتمع قد سئم من بقاء مبارك فى السلطة 30 عاما، ورفض مشروع التوريث الذى أطل برأسه بقوة فى السنوات الأخيرة، حتى لو كان هدفه تغيير مبارك وإسقاط مشروع التوريث، وليس بالضرورة كل نظامه.
فى حين أن انتخابات 2015 جاءت فى ظل نظام فى بداية عهده يشعر بالانتصار ويمتلك أدوات قوة ولديه شعبية مازالت غالبة فى الشارع المصرى، وكاسحة بين من نزلوا وصوتوا فى الانتخابات مع ملاحظة أنهم يمثلون نصف عدد الناخبين الذين صوتوا فى انتخابات 2011.
فى الوقت نفسه، فإن السياق الحالى امتلك خطاباً سياسياً دافع عنه بعض الإعلاميين الذين حملوا الصورة الجديدة فى تزوير إرادة الناخبين خارج الصندوق، وهو خطاب سطحى قائم على التخوين والتجهيل الشديد، وهو ما لم يحتجه نظام مبارك فى انتخابات 2010، لأن التزوير كان يتم بشكل مباشر داخل الصندوق، ودون حاجة لوسطاء ليزوّروا خارج الصندوق من خلال المتاجرة بالوطنية وبغرائز الناس.
الجانب الثانى هو أن انتخابات 2010 المزورة كانت فى نهاية عصر، وبعد أن اختارت شلة التوريث من ينجح ومن يرسب بالاتفاق مع أجهزة الأمن، بالتالى كان التزوير فيها مباشرا وفجا وتم تسويد البطاقات لصالح المرشحين المقرر لهم أن ينجحوا بصرف النظر عن إرادة الناس، حتى إن بعضهم كانوا من المعارضة التى قررت الدولة إنجاحهم، واختير من ينجح بإرادة سلطوية محضة وبعمليات تزوير منظمة داخل الصناديق وخارجها.
فى حين أن انتخابات 2015 لم يحدث فيها تزوير داخل الصناديق حتى لو حدثت انتهاكات، وأن نهاية عصر تسويد البطاقات يرجع فى الحقيقة إلى ثورة يناير التى بفضلها لم تستطع كل النظم التى جاءت بعدها أن تزور بصورة منظمة داخل الصناديق وهى خطوة كبيرة للأمام ويمكن البناء عليها فى المستقبل.
أما الجانب الثالث فهو يتعلق بالأطراف التى شاركت فى العملية الانتخابية، وهنا سنجد أن مصر فى عهد مبارك كان فيها حزب حاكم واضح وصريح وهو الحزب الوطنى الديمقراطى، الذى كان قادرا على أن يحصل دون تزوير على 30% من مقاعد البرلمان (كما جرى فى 2005 قبل انضمام المستقلين)، ولكن جشع رجل الحديد الذى سيطر على الحزب وتصوره أنه حين يحصل على 97% من مقاعد البرلمان (كما جرى) بالتزوير سيعنى ذلك أنه سيطر على البلاد، كان بمثابة لحظة النهاية.
ومن هناك فقد انصب غضب الناس على الحزب الحاكم الذى بقى فى السلطة 32 عاما، فكانت ثورة يناير بعد انتخابات 2010 بأسابيع قليلة.
بالمقابل، فإن انتخابات 2015 ليس فيها حزب حاكم إنما «أجهزة حاكمة» شكلت مشهد الانتخابات ورتبت قوائم وحرضت أذرعها الإعلامية لتحدد من ينجح ومن يخسر وتركت فاسدين وبلطجية ومخبرين رخيصين ينجحون بدعمها، ومع ذلك تبقى الصورة المعلنة أنه لا يوجد حزب حاكم ولا يوجد حزب الرئيس وكل ما يجرى بعيد عن السلطة التنفيذية، وهو من حيث الشكل صحيح، فى حين أن الواقع يقول إن أجهزة السلطة التنفيذية هندست مسار الانتخابات دون أن تزور فى الصندوق.
أما الجانب الرابع، فهو تداعيات 2010 و2015، فالمؤكد أن أحد أسباب ثورة يناير كانت انتخابات 2010 المزورة، فى حين أن تداعيات انتخابات 2015 متوقفة على أداء البرلمان وفى قدرته إما على تعميق إحباطات الناس أو دعم آمالهم فى تطوير أداء النظام السياسى برمته.
إن نتائج انتخابات 2010 كانت فورية فى 25 يناير على عكس انتخابات 2015، فإن تداعياتها مؤجلة ومتوقفة على أداء البرلمان لأنه من ناحية قد يقبل بتعديل الدستور فى اتجاه إعطاء مزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية، وبالتالى سيتحمل الرئيس بشكل شبه كامل مسؤولية المرحلة المقبلة، ولن تستطيع نظرية ليس مهما البرلمان و«اتركوا الرئيس يعمل» أن تقنع جزءا كبيرا من مؤيدى الرئيس بعدم مسؤوليته عن مرحلة ما بعد تهميش دور البرلمان.
المؤكد أن هناك قطاعاً يعتد به من جمهور 30 يونيو لم يحملوا الرئيس مسؤولية خطر إجراء الانتخابات وفق قانون سيئ، وحالة الاستباحة السياسية والإعلامية التى تركت فيها البلاد حتى تبدو دائما المشكلة فى الشعب الذى يسىء الاختيار وفى النخبة المدنية المنقسمة والفاشلة، وبصرف النظر عن صحة هذا الأمر من عدمه، فإن مسؤولية الرئيس فى تنظيم المجال العام ستتفاقم وربما ستتعقد مع مجىء البرلمان بصورته الحالية، خاصة بعد أن اتضح (وسيتضح) التأثير الكارثى للعناصر المخربة التى فرضها السياق الحالى على الناس وعلى البرلمان.
فاتورة 2010 دفعت فورياً وفاتورة 2015 مؤجلة.. فهل سيعى من فى يدهم القرار تبعات وجود برلمان عاجز.. وهل هناك فرصة لتطوير أداء السلطة التنفيذية والتشريعية واستعادة دولة القانون قبل فوات الأوان، أم أننا أمام نخبة حاكمة تعتبر نفسها هى التى ترى وتعرف وتقرر، وحين تخطئ ترغب أن تحمّل الشعب بمفرده ثمن هذه الأخطاء.