بقلم - عمرو الشوبكي
تصريحات مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، «جوزيب بوريل»، بخصوص غزة، إيجابية، ولكنها غير كافية، فقد قال أمام البرلمان الأوروبى، الأسبوع الماضى: «إن حرمان مجتمع مُحاصَر من المياه بأوكرانيا وغزة ضد القانون الدولى، وإن لم نقل ذلك، فإننا نفتقر للسلطة الأخلاقية»، و«وقف إمدادات المياه إلى مجتمع تحت الحصار يتعارض مع القانون الدولى، ولا يمكننا قبول ذلك»، وأضاف: «هذا هو موقف الاتحاد الأوروبى حين حاصرت القوات الروسية البلدات، وقطعت المياه، وينبغى أن يكون هو نفسه عندما يتعلق الأمر بغزة».
وتُعتبر هذه هى المرة الأولى التى يتحدث فيها مسؤول أوروبى رفيع المستوى بشكل موضوعى عن الجرائم التى تجرى فى غزة، ويشير إلى أن الصمت عما يجرى هناك يهدم الأساس الأخلاقى لدول غربية تُعتبر المساواة والعدل بين الشعوب من أسس نظمها الديمقراطية.
صحيح أن المسؤول الأوروبى لم يُشِرْ بشكل مباشر إلى مسؤولية إسرائيل عن كل الجرائم الأخلاقية التى ترتكبها فى حق الشعب الفلسطينى، سواء بقطع المياه أو الدواء أو قتل الأطفال، إلا أن إعلان ضرورة التمسك بمعيار أخلاقى واحد أمر إيجابى يمكن البناء عليه.
معضلة الانحياز الأمريكى الأوروبى الفج للدولة العبرية تكمن فى أنه روج لخطاب سياسى وإعلامى يقول إن هناك ضحايا يُبكى عليهم، وآخرين لا قيمة لهم، وإن اعتبار ما تقوم به إسرائيل من عدوان وقتل للمدنيين هو دفاع عن النفس، وهو ما أدى إلى تشكك الرأى العام العربى، بل أصوات الضمير فى العالم كله فى قيم أكبر تتعلق بالعدالة والشرعية الدولية والمساواة بين الشعوب.
إن الاستهداف الإسرائيلى للمستشفى «الأهلى المعمدانى» فى قطاع غزة لم يجد إلا كلمات تضامن غربية خجولة لم تُدِنْ إسرائيل، ولم تُحمِّلها من الأصل مسؤولية هذه الجريمة، أو كما قال رئيس الوزراء البريطانى: «سنبحث فى الأمر، ولن نسير خلف وسائل التواصل الاجتماعى»، أما الرئيس الأمريكى فاتَّهم صواريخ حماس والجهاد بضرب المستشفى عن طريق الخطأ، وأضاف أثناء زيارته لتل أبيب أن إسرائيل لو لم تكن موجودة لخلقها.
مفهوم أن تكون فى الغرب منظومة حكم كاملة تؤيد إسرائيل، وتدافع عن أمنها، وتتبنى روايتها السياسية، وتدعمها جماعات ضغط قوية صهيونية، ولكن أن ينتقل هذا الدعم من المساحة السياسية والأمنية إلى التمييز بين البشر، واعتبار أن هناك مدنيين قتلهم مُدان، ويعتبر مَن يقتلهم إرهابيين، وسينقلب من أجلهم العالم، وآخرين قتلهم «حلال»، حتى لو لم يقولوا ذلك، إلا أن عدم إدانة المعتدى، بل عدم تسميته، يهدم السلطة الأخلاقية للنظم الغربية الديمقراطية، كما قال «بوريل».
لن ينتهى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى إلا بوجود هذه السلطة الأخلاقية المدعومة بقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، التى تنص على حق الشعب الفلسطينى فى بناء دولته المستقلة.