بقلم - عمرو الشوبكي
زيارة الفريق البرهان إلى مصر، الأسبوع الماضى، ولقاؤه بالرئيس السيسى، ثم تصريحاته المهمة بأنه لا نية لدى القوات المسلحة السودانية فى السيطرة على السلطة والحكم فى السودان، تؤكد حرصه على وضع حد للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسعيه «لإقامة فترة انتقالية يستطيع بعدها الشعب أن يؤسس دولة من خلال انتخابات حرة نزيهة».
وبدا واضحًا أن الجيش حسم سيطرته على أكثر من مدينة وولاية كبرى، وبات تقدمه فى المعارك محل دعم من غالبية السودانيين، الذين باتوا يستقبلون قواته بالترحيب والتهليل، بعد أن كانوا قبل عام يهتفون بسقوط سلطته.
ورغم أن الجيش والدعم السريع هما المسؤولان المباشران عن الحرب الأهلية التى اندلعت فى السودان، فإن معاناة الناس من ويلاتها سيجعل قطاعًا واسعًا منهم يرى أن الأولوية يجب أن تكون لعودة الأمن وبسط النظام، وسيعتبرون الجيش هو الحارس الأمين للنظام العام.
إن السؤال الأساسى الذى كان يجب أن يطرحه الجميع عقب الثورة، وخاصة القوى المدنية، هو عن الأسباب التى أدت إلى جعل الحكم العسكرى منذ استقلال البلاد عام ١٩٥٦ هو القاعدة والحكم المدنى هو الاستثناء، وما أزمات القوى السياسية والتحديات التى تواجه المجتمع السودانى والانقسامات العرقية والمناطقية الموجودة فيه حتى يعتبر البعض أن الرهان على الحكم المدنى مساوٍ لغياب التنمية والاستقرار والأمن؟؟.
إن المواءمات التى شهدها السودان طوال المرحلة الانتقالية بين المكونات المختلفة من أحزاب سياسية تقليدية وقوى ثورية، وبين الجيش والدعم السريع، انتهت بفشل ذريع، وكانت صورة من حكم المواءمات الذى سبق أن شهده السودان أثناء حكم الأحزاب، وكان السبب الرئيسى وراء ذلك هو تبنيها نظامًا برلمانيًّا أفرز حالة من الانقسام والهشاشة السياسية وعدم الفاعلية والقدرة على الإنجاز، فى حين أن الحكم العسكرى تبنى نظامًا رئاسيًّا مركزيًّا اعتبره جانب من الشعب السودانى رمزًا للأمن والاستقرار.
والحقيقة أنه يجب على القوى المدنية، بعد تصريحات «البرهان»، التى أكد فيها إعداد البلاد لإجراء انتخابات نزيهة، أن تعمل على تبنى النظام «الرئاسى الديمقراطى»، وليس التمسك بالنظام البرلمانى، الذى تحول إلى ساحة للانقسام والصراعات الحزبية وعدم الفاعلية، وكان أحد أسباب الانقلابات العسكرية.
إن حسم الجيش للمعارك الدائرة فى السودان لن يعنى اختفاء عناصر الدعم السريع أو إبادتها، إنما سيظل مطروحًا التوافق على آلية لدمجها داخل مؤسسات الدولة السودانية الأمنية والعسكرية، ومن المهم أيضًا معرفة انعكاس هذا «النصر العسكرى» الراجح للجيش على المستقبل السياسى للسودان، فى ظل حصول «أولوية الأمن» على نقاط جديدة فى الشارع، والمطلوب وجود شريك مدنى يضع أيضًا الديمقراطية والانتخابات النزيهة ودولة القانون فى قلب معادلة الأمن، وتقديم منظومة سياسية جديدة تختلف عن تلك التى شهدتها البلاد منذ الاستقلال وأثناء المرحلة الانتقالية.