توقيت القاهرة المحلي 19:48:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطريق إلى 5 يونيو

  مصر اليوم -

الطريق إلى 5 يونيو

بقلم : عمرو الشوبكي

5 يونيو كانت لها مقدمات أوصلت البلاد إلى هزيمة 67، كما كانت لها أيضا مخرجات أوصلتها إلى طريق النصر، فمقدمات يونيو هى تقريبا عكس طريق أكتوبر، وأن دراسة أسباب يونيو يجب أن تكون مدخلا لعدم تكرار الفشل الداخلى الذى أودى بالهزيمة العسكرية والسياسية، وأن قراءة يونيو ليست من أجل العيش فيها، بل على العكس من أجل عدم تكرارها مرة أخرى.

والحقيقة أن هزيمة 67 على قسوتها، إلا أنها مثلت حالة غير متكررة فى العالم العربى، وهى اعتراف القيادة السياسية ممثلة فى عبدالناصر بالهزيمة وعدم المكابرة فى التعامل معها، وهو أمر لم نعتد عليه فى كل نظمنا العربية التى اعتاد زعماؤها ألا يناقشوا أصلاً أخطاءهم وكأنهم منزهون، ولا يعترفون بأى هزائم، بل يحولونها إلى انتصارات وهمية، مثلما فعل صدام حسين عقب احتلاله الكويت، حين لم يعترف بخطيئته الكبرى فى غزو الكويت، واعتبر أن العراق انتصر فى أم المعارك ورفض أن يستقيل أو يصحح مساره السياسى، وربما لو كان فعلها لكان مستقبل العراق والمنطقة فى مكان آخر غير الذى ذهبنا إليه الآن، ولما سهل مهمة الغزو الأمريكى للعراق فى 2003.

والحقيقة أن عبدالناصر فعل العكس منذ نصف قرن، حتى بدا الأمر مدهشا أنه بعد كل هذا الزمن وهذه السنين يصبح النقاش حول الاعتراف بالأخطاء والهزائم وجوانب الفشل أمرا محرما، ويصبح ادعاء النصر والأرقام المضروبة وبيع نجاحات وهمية تماما مثلما تحدثت الإذاعات عن قواتنا التى دخلت تل أبيب وطائرات العدو التى أسقطناها، هو السائد.

استثناء عبدالناصر وقوته أنه كان زعيما شعبيا حقيقيا لم يستطع أشد المختلفين معه أن ينالوا من مصداقيته (رغم أخطائه الكثيرة، ورغم تجاوز الزمن لجوانب كثيرة فى تجربته)، وكان طريقه فى ذلك اعترافه بأخطائه والعمل على تصحيحها.

وقد مثل خطاب التنحى الذى أعلنه عبدالناصر فى 9 يونيو 1967 اعتراف أول زعيم عربى بهزيمته (رغم أنه أمر تكرر فى بلاد أخرى كثيرة)، وإعلانه تحمله المسؤولية كاملة بتقديمه استقالته التاريخية ومعلنا جملته الشهيرة: «وأقول لكم بصدق، وبرغم أى عوامل أكون قد بنيت عليها موقفى فى الأزمة، فإننى على استعداد لتحمل المسؤولية كلها. ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه. لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر».

وتحدث عن الشعب والجيش قائلا: «لقد كان الشعب رائعاً كعادته، أصيلاً كطبيعته، مؤمناً صادقاً مخلصاً. وكان أفراد قواتنا المسلحة نموذجاً مشرفاً للإنسان العربى فى كل زمان ومكان.

لقد دافعوا عن حبات الرمال فى الصحراء إلى آخر قطرة من دمهم، وكانوا فى الجو- ورغم التفوق المعادى- أساطير للبذل وللفداء وللإقدام والاندفاع الشريف إلى أداء الواجب أنبل ما يكون أداؤه.

إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأى أنانيات أو مشاعر فردية.

إن قلبى كله معكم. وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى.

وليكن الله معنا جميعاً أملاً فى قلوبنا وضياءً وهدى».

لم يخف عبدالناصر الهزيمة ولم ينكرها، وهو أمر لم يلغ بطولات الجنود رغم سوء القيادة العسكرية، وأصبحنا أمام قائد يتنحى عن السلطة وشعب يتمسك به فى مفارقة لم يستوعبها كثيرون حتى الآن.

وفى أعقاب انتهاء عبدالناصر من خطاب التنحى خرجت الملايين من أبناء الشعب المصرى والشعوب العربية فى مظاهرات غير مسبوقة تتمسك بقيادة عبدالناصر، وأجبرته على التراجع عن الاستقالة، فى مشهد لم يعرفه التاريخ العربى مع أى زعيم آخر، ولايزال الكثيرون يتذكرون الاستقبال التاريخى للشعب السوادنى العظيم لجمال عبدالناصر فى قمة الخرطوم فى 1968 ودعمهم له رغم الهزيمة.

والحقيقة أن 5 يونيو كانت طريق مصر للعبور السياسى والعسكرى، فقد قام عبدالناصر بأهم مراجعة نقدية شهدها نظام سياسى عربى فى العصر الحديث، فأجرى إصلاحات عميقة فى قيادة المؤسسة العسكرية، وقدم قيادات جديدة محترفة، وحاسب القيادات المسؤولة عن الهزيمة حتى لو تظاهر شباب الجامعات ضد ما اعتبره أحكاما مخففة بحق قادة الطيران، وقدم بيان 30 مارس، الذى فتح الباب أمام بناء نظام سياسى تعددى، وكتب الراحلان الكبيران محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وآخرون عن زوار الفجر والانتهاكات التى ارتكبت بحق قوى وتيارات سياسية مختلفة، وشهدت مصر جدلا فكريا وسياسيا عميقا لم تعرفه من قبل: هل هُزمنا لأننا لم نكن اشتراكيين جذريين ولم نتبن الشيوعية، أم لأننا لم نتحالف مع أمريكا أو على الأقل نهادنها ونبنى نظاما رأسماليا فى الداخل، أم أننا كنا بعيدين عن الله كما روج البعض فكانت هزيمة 67 رسالة غضب من الخالق على النظام السياسى الذى ترك الشريعة لصالح الاشتراكية؟

ولم تكتف مصر بالعبور السياسى وفتح الجراح والأخطاء، إنما فتحت الباب أيضا أمام العبور العسكرى الذى لم يكن سيتم لولا المراجعة السياسية، فأعيد بناء الجيش على أسس احترافية ومهنية كاملة، وأُبعد عن ممارسة أى دور سياسى وتمت محاسبة كل المسؤولين عن الهزيمة، وتم إجراء عملية تجديد شاملة فى القيادة العسكرية لم يعرفها الجيش المصرى من قبل.

لقد عبرت مصر هزيمة يونيو، أولاً بالاعتراف بالأخطاء والهزيمة، وثانياً بانتصارها العسكرى فى حرب أكتوبر، ولو كنا عرفنا فى ذاك الوقت نظاما سياسيا قائما على المكابرة والاستعلاء وعدم الاعتراف بالهزيمة والأخطاء لما كنا نجحنا فى تحقيق نصر أكتوبر، فطريق النصر يبدأ بالمراجعة وتصحيح الأخطاء لكل من يرغب فى بناء مستقبل أفضل.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق إلى 5 يونيو الطريق إلى 5 يونيو



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon