بقلم: عمرو الشوبكي
لا ينتمى الرئيس بوتفليقة ولا نظامه غير الديمقراطى إلى نوعية النظم الاستبدادية المتوحشة التى عرفتها بعض البلاد العربية فى ليبيا وسوريا، فالرجل هو أحد أبطال حرب التحرير الشعبية التى ناضلت من أجل استقلال الجزائر، كما كان له دور حاسم فى إنهاء «العشرية السوداء» حين أطلق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لينهى سنوات من العنف والإرهاب.
يقينا تاريخ بوتفليقة يتقاطع مع ميزة مبارك الكبرى باعتباره «قائد محارب» شارك فى انتصار أكتوبر من أجل تحرير الأرض، ولم يهرب مثل غيره من الرؤساء العرب، وانسحب من المشهد السياسى حقنا لدماء شعبه. وتبقى آفة التجربة الجزائرية مثل التجربة المصرية أن كلا الرئيسين طرحا مبادرتهما الإصلاحية فى اللحظات الأخيرة، وبعد أن فقدت الناس الثقة فى النظام الحاكم.
لم يخطئ البعض حين اعتبر أن الوحيد الذى حقق بعض مطالب ثورة يناير فى مصر هو حسنى مبارك بإنهاء مشروع التوريث وتعديل الدستور وإعلان عدم ترشحه لولاية جديدة، كل ذلك كان بكل أسف فى اللحظات الأخيرة وبعد أن نزلت الملايين فى الشوارع، ونسى أنه بقى 30 عاما فى السلطة ولم يفكر فى البدء فى أى من هذه الإصلاحات السياسية.
والحقيقة أن هذا ما جرى فى الجزائر أيضا حين بقى بوتفليقة فى السلطة 20 عاما ولم يفكر طوال هذه المدة فى طرح أى مبادرة للإصلاح السياسى، ولو كان الرئيس بوتفليقة قد أعلن منذ 3 أشهر فقط عن عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة، وقرر عدم الإقدام على تلك الخطوة المهينة للجزائر وتاريخها بالترشح وهو فى هذه الحالة الصحية السيئة، ولو كان أعلن عن إطلاق ندوته الوطنية لترتيب انتقال سلس للسلطة فى نفس الفترة أيضا، لما وصلت الجزائر إلى ما هى عليه الآن، وقبلت الجماهير مبادرات النظام القائم.
والحقيقة أن مبادرات بوتفليقة الحالية بعدم الترشح لولاية/ عهدة خامسة وإعلانه عن إقامة الندوة الوطنية التى ستضم كل الأطياف السياسية هى خطوة إيجابية وآمنة لمستقبل البلاد، وللأسف تبارى تيار واسع من الحراك فى رفضها، والمدهش أن هناك رموزا سياسية جزائرية ممن سبق أن سميناهم فى مصر «ثوار بعد الثورة» ممن كانوا جزءا من النظام القديم، وتباروا فى القفز من مركبته حين تصوروا أنها تغرق، أعلنوا مقاطعتهم للندوة الوطنية وطالبوا بتنحى فورى لبوتفليقة.
الخيار العقلانى دائما ما يكون صعبا فى ظل غياب الثقة بين السلطة والشعب، ويقينا أن فرص الجزائر فى تحقيق مطالب انتفاضتها الشعبية ليست فى توالى «الجمع الثورية» من «جمعة الرحيل» و«ارحل يعنى ترحل» الأسبوع الماضى إلى «جمعة الحسم» أمس الأول، إنما فى الخروج من ثقافة الإقصاء والاتهامات المتبادلة التى يتبارى البعض فى ترديدها، وذلك بالقبول بالحزب الحاكم والرئيس بوتفليقة فى المعادلة السياسية المؤقتة، وعدم المطالبة بتنحيته الفورية والمشاركة بفاعلية فى الندوة الوطنية من أجل البدء فى انتقال ديمقراطى وتأسيس دولة قانون.
قد يهمك أيضًا :