بقلم - عمرو الشوبكي
شهد العالم العربى فى أكثر من بلد انهيارا كاملا للدولة الوطنية، مثلما جرى فى العراق وليبيا، وجزئيا سوريا واليمن، كما شهدت بلاد مثل مصر وتونس أزمات كبيرة وعمليات عنف وإرهاب هددت وجود الدولة الوطنية، ولكنهما عبرا الأزمة ورسخا وجودها.
والحقيقة أن التهديدات الحقيقية التى تعرضت لها مؤسسات الدولة الوطنية، وحالة الفوضى التى شهدتها أكثر من بلد فى الإقليم ساعدت على تصاعد خطاب «الحفاظ على الدولة» أولا فى أكثر من بلد عربى، وربما كانت مصر نموذجا واضحا لهذا الخطاب الذى ارتكز فى جانب على أن هناك مؤامرة تستهدف الدولة الوطنية، وإن تجارب إسقاط الدولة الوطنية بدأت عقب الغزو الأمريكى للعراق، وكانت نتائجها كارثية على الشعب العراقى والمنطقة العربية كلها.
ولأن إسقاط الدولة الوطنية فى العراق جرى عبر متغير خارجى فإن ذلك ساعد على انتشار نظرية المؤامرة والتأكيد على وجود مخطط غربى لإسقاط الدولة وليس قرارا أمريكيا كارثيا لإدارة أمريكية حكمت وذهبت دون محاسبة.
وقد تراجع أى حديث عن إصلاح مؤسسات الدولة (الإصلاح المؤسسى كما عرفته بلاد أوروبا الشرقية عقب بدء التحولات الديمقراطية)، وخفتت الأصوات الإصلاحية التى ارتفعت عقب ثورة يناير أمام تزايد الأصوات التى تتحدث عن تأجيل الإصلاح السياسى والمؤسسى حتى تنتصر الدولة فى معركتها ضد الإرهاب، وأصبح من غير الوارد مناقشة قضية إصلاح الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية والجهاز الإدارى للدولة والإعلام البائس والصحافة المأزومة، لأن الأولوية هى الحفاظ على الدولة ومحاربة الإرهاب.
والحقيقة أن تبنى توجه تأجيل إصلاح مؤسسات الدولة، لكون هناك تهديدات سياسية واقتصادية وإرهابية، لا يؤدى إلى الحفاظ على الدولة، لأن كل النظم التى سقطت فيها الدولة كانت تحكمها نظم فوق استبدادية لم تعرف طوال تاريخها كلمة إصلاح كنظام القذافى وغيره وليس نظما ديمقراطية أو حتى نظم التعددية المقيدة مثل النظام الملكى فى المغرب أو نظام مبارك فى مصر.
والحقيقة أن الخوف من سقوط الدولة جاء فى أعقاب تعثر المسار السياسى الذى انبثق من ثورة يناير (لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن)، وروجت لمقولات كثيرة اعتبرت أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، وأن الأفضل الحفاظ على الدولة ومؤسساتها من الانهيار وتأجل الانتقال فى مسار ديمقراطى لأن الشعب والنخب الحزبية والسياسية غير مؤهلين جميعا للحكم، وظهر خطاب الحفاظ على الدولة كهدف وليس كوسيلة هدفها الحفاظ على مصالح الشعب.
صحيح أن مصر وبلدانا عربية أخرى تعرضت دولتها الوطنية لمخاطر وتحديات، ولكنها دولة راسخة من شبه المستحيل أن تسقط، والمطلوب وضع استراتيجية إصلاحية حقيقية تنطلق من الواقع المعاش ومن تفاصيل عمل مؤسسات الدولة وليس عبر خطط فوقية تفرض من أعلى حتى يمكن إصلاح هذه المؤسسات بالجراحة وليس بالمسكنات.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع