بقلم : عمرو الشوبكي
فى وقت الأزمات والمحن تتزايد أهمية التبرعات ويتزايد الدور المطلوب من الدولة ورجال الأعمال والشركات الكبرى فى دعم الفئات الأضعف فى المجتمع، هذا أمر لا خلاف عليه، بل إن مبدأ التبرع فى حد ذاته أمر حميد ومطلوب، حتى فى الظروف الطبيعية سواء كان بدافع الزكاة أو المساعدة أو التضامن الاجتماعى والأخلاقى.
وفى هذا الإطار لعب صندوق تحيا مصر دورًا مهمًا فى جمع تبرعات من كثير من رجال الأعمال أسهمت فى تقديم خدمات ومساعدات كثيرة استفادت منها قطاعات كثيرة، وكذلك فعلت مؤسسات مثل مصر الخير ورسالة وبنك الطعام وغيرها من المؤسسات العملاقة، التى عرفت نشاطا واسعا وميزانيات كبيرة استفاد منها كثيرون.
ولأن العالم كله لا يسير بمنطق إما هذا أو ذاك، فإن دور المؤسسات والصناديق الكبرى سواء التابعة للدولة أو لجمعيات أهلية سيظل مطلوبا، خاصة أن الأولى- كصندوق تحيا مصر- لديها قدرة أسرع من غيرها على الإنجاز والتحرك السريع بدون قيود روتينية، وهو أمر مطلوب فى أحيان كثيرة، خاصة حين تصبح سرعة التحرك مرادفة لإنقاذ أرواح بشر أو مد يد العون لأشخاص بلا مأوى ويحتاجون لتحركات عاجلة، وغيرها من الأمور المشابهة.
سيظل هناك احتياج بجوار هذه المؤسسات الكبرى لأخرى صغرى ومتناهية الصغر يؤسسها «المجتمع المبادر» فى كل مدينة وقرية وحى، بحيث تنشأ آلاف «تحيا مصر» يبادر بها الأفراد وتدعمها الدولة ليس بالمال ولا الأوامر، إنما بوضع بيئة آمنة لتحركها وقواعد قانونية تنظم عملها، وتعتمد بشكل أساسى على المبادرات الأهلية التى تجعل كل مجموعة تشعر بأنها صاحبة المشروع فيتضاعف جهدها وعطاؤها.
يقينًا أزمة كورونا أظهرت أن المجتمع المصرى لايزال مكبلا بعشرات القيود التى جعلت مبادراته الأهلية أقل بكثير من مجتمعات عربية أخرى، مثل لبنان والمغرب وتونس، فالعمل الأهلى يعنى أن هناك آلاف الكوادر التى هى بنت بيئتها المحلية، وتمويلها محلى، تمارس عن قناعة أنشطة تطوعية فى كل ربوع البلاد.
وإذا كانت هناك شكوى من نقص وعى الناس، فإن هذا لا يرجع إلى أسباب وراثية فى جينات المصريين، إنما هى أمور مكتسبة نتيجة ضعف العمل الأهلى أو النقابى أو الحزبى، والقيود المفروضة على المجتمع المبادر.
صحيح أن التبرع مطلوب، حتى لو شابه فى بعض الأحيان بعض الشوائب، مثل تبرعات توزيع الكراتين أثناء الانتخابات والاستفتاءات وليس فقط فى المواسم الدينية، إلا أن ذلك لا يلغى صحة الفكرة وأهميتها.
أزمة كورونا كشفت ضعف أدوات المجتمع وعزلته وتقوقع أفراده حول أنفسهم، وإحساس الكثيرين بأنهم يبادرون فى عمل أهلى صغير يرون ثماره أمام أعينهم سيعنى أن المجتمع بدأ يسير على قدمين: قدم المبادرات الكبرى التى ترعاها الدولة، وقدم مبادرات المجتمع التى تنظمها الدولة.