بقلم - عمرو الشوبكي
إمام الأزهر وشيخه أحمد الطيب هو واحد من رموز مصر الكبار، فالرجل يتسم بالنزاهة والاستقامة والزهد والاتساق مع النفس، وينال حب واحترام قطاع واسع من ملايين المصريين عن قناعه وليس إجبارا.
والمؤكد أن الأزهر مؤسسة عملاقة وجزء مشرف من تاريخ هذا البلد وصحيح أيضا أنها مؤسسة محافظة لم تطور بالقدر الكافى، ومازال يعشش فى داخلها اتجاهات شديدة المحافظة منعزلة عن العالم وغير قادرة أن تؤثر فيه، إلا أن ذلك لم يحل دون وجود تيار إصلاحى قاده الإمام أحمد الطيب وأجرى مراجعات عميقة فى كثير من مناهج الأزهر وطرح بجرأة قضايا المواطنة والعيش المشترك والإيمان بالديمقراطية والعدالة ودولة القانون المدنية، وهى كلها أمور لم يكن من الوارد التطرق لها قبل مجىء الشيخ الطيب.
المؤسف أن الأزهر وإمامة يتعرضان من حين لآخر لحملات هجوم شرسة تعاقبه على جوانبه الإيجابية ولا تهدف لإصلاح سلبياته، ولذا لم يندهش الكثيرون أن يركز دائما خطاب شيخ الأزهر على الاعتزاز بكرامته وكرامة المؤسسة.
يحسب للأزهر ولإمامة الكبير أنه فتح الطريق لحوار حقيقى بين الأزهر والكنيسة الكاثوليكية، وقد تكون زيارة البابا فرنسيس لمصر منذ عامين دليلا على جدية هذا الحوار ومشاركته فى مؤتمر لا ينتمى لمؤتمرات كثيرة يشهدها العالمين العربى والإسلامى بلا رسالة ولا هدف.
ولأن لقاء الإمام والبابا كان جادا وعميقا، فتكلم عنه العالم كله بتلقائية لأن ما يمثله الأزهر وما يقوله حتى لو اختلف معه البعض حقيقى وصادق ويعكس تاريخا حقيقيا عريقا لا يمكن هدمه أو تقويضه، كما أن صدق البابا فرنسيس جعل العالم كله يأخذ ما يقوله بمحبة وثقة، وأصبحت له مكانة خاصة بين مختلف شعوب العالم والأديان.
صحيح أن هناك بعض الملاحظات على خطاب الأزهر الدينى والسياسى، حيث غاب عنه النقد الذاتى لبعض الجوانب السلبية فى تاريخنا وثقافتنا الإسلامية، وكأننا ملائكة ولا نتحمل جانبا من المسؤولية عما يجرى فى العالم من «شرور» ومن غياب للعدالة ومن الظلم.
إن النقد الذاتى الحصيف يقوى من موقف الأزهر على الأقل على المستويين التاريخى والثقافى (ولا نقول السياسى).
وستظل معضلة الأزهر مثل باقى المؤسسات فى مصر هى فى غياب أدوات الإصلاح والتجديد التى لن يقوم بها فقيه أو عالم داخل محرابه، إنما هى مشاريع شاملة لنهضة المجتمعات تشمل السياسة والثقافة والاقتصاد والدين، ولا يمكن أن يكون هناك «أزهر ليبرالى» فى ظل نظام غير ديمقراطى أو أزهر مستنير فى ظل مجتمع متعصب.
على مصر والعالمين العربى والإسلامى أن يستفيدوا من كون من يقود الأزهر هو شخصية نزيهة ومحترمة وزاهدة وهى قيم نتمنى أن تسود لدى قادة باقى مؤسسات الدولة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع