بقلم - عمرو الشوبكي
إجمالًا يمكن القول إن تأثير القضايا الخارجية على أى انتخابات داخلية يظل أمرًا محدودًا، إلا إذا كان له تأثير مباشر على الأوضاع الداخلية، بأن يكون البلد نفسه متورطًا فى حرب خارجية أو اتخذ موقفًا خارجيًّا ترتبت عليه تأثيرات عميقة فى الداخل، وهو بالطبع ليس الحال فيما يتعلق بحرب غزة، التى بلا شك كان لها حضور فى برامج الأحزاب وتوجهاتها السياسية، ولكن لم يمثل الموقف منها الأساس الذى سيصوت على ضوئه الناس لهذا الحزب أو ذاك.
ومع ذلك لم تستطع الأحزاب السياسية الفرنسية أن تغمض أعينها عما يجرى فى غزة أو تتجاهل أن يكون لها موقف من أطراف الصراع، وتحديدًا من إسرائيل وحماس.
ويمكن القول إجمالًا إن كل الأحزاب السياسية فى فرنسا من أقصى اليمين، مرورًا بيمين الوسط، وانتهاء باليسار الاشتراكى، أدانت عملية 7 أكتوبر، وصنفت حركة حماس كحركة إرهابية، باستثناء حزب فرنسا الأبية، (أقصى اليسار)، الذى وإن أدان العملية على اعتبار أن جانبًا من ضحاياها من المدنيين، لكنه تحدث عن أسبابها ودوافعها أكثر من حديثه عن العملية نفسها، وكيف أن الاحتلال والقهر الذى يتعرض له الشعب الفلسطينى هو السبب وراء القيام بهذه النوعية من العمليات.
وقد أثار هذا التصنيف انقسامًا فى أوساط اليسار الفرنسى، وكاد يعرقل التحالف الذى قام بين أحزابه وحمل اسم الجبهة الشعبية الجديدة، خاصة أن حزب فرنسا الأَبِيّة يرفض اعتبار حماس «منظمة إرهابية» كما تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، وأن هذا الخلاف أدى إلى انفراط عقد التحالف اليسارى الذى قاده الحزب فى البرلمان السابق.
وقد نصت معظم برامج الأحزاب السياسية على ضرورة وقف الحرب فى غزة، وطالبت بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وكان هذا التوجه أوضح فى برنامج الجبهة الشعبية، التى طالبت بـ«الاعتراف فورًا بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل على أساس قرارات الأمم المتحدة»، وأضافت نقطة أخرى تميزت بها، وهى المطالبة بضرورة «فرض حظر على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل».
والمؤكد أن الموقف الداعم للقضية الفلسطينية، والذى تبناه حزب فرنسا الأبية، سيتراجع قليلًا بعد أن حل الحزب فى المرتبة الثانية بين قوى اليسار عقب الحزب الاشتراكى، الذى قفز من 4 إلى 14%، والمعروف بأنه داعم بشكل غير مطلق لإسرائيل، وأن مواقفه من القضية الفلسطينية يستقيها أساسًا من خط حزب العمل فى تل أبيب.
يمكن القول إن الحزب الوحيد الذى يغرد خارج سرب القراءة الغربية التقليدية للقضية الفلسطينية، وتضم بدرجات متفاوتة معظم الأحزاب السياسية، هو حزب فرنسا الأبية، صحيح أن بعض تصريحات زعيمه كانت محل جدل، وبعضها اتسم بعدم الواقعية، إلا أن تراجع الحزب فى الانتخابات الأخيرة فسره البعض بأنه يدفع ثمن دعمه المطلق لفلسطين وإدانته القوية للحرب فى غزة.