توقيت القاهرة المحلي 10:58:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عملية عابرة «للآيديولوجيات»

  مصر اليوم -

عملية عابرة «للآيديولوجيات»

بقلم - عمرو الشوبكي

لم تكن القضية الفلسطينية مجرد قضية شعب يناضل من أجل استعادة أرضه وبناء دولته المستقلة، إنما فتحت منذ اليوم الأول لقيام إسرائيل الباب أمام نقاش فكري حول طبيعة هذا الصراع وطرق حله، وعرف العرب انقساماً بين المعتدلين والمتشددين، وأنصار الحل السلمي والصراع المسلح، وخلاف آيديولوجي حول أدوات إدارة هذا الصراع والموقف من وجود إسرائيل.

لقد نجحت عملية «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في ترميم جانب كبير من الانقسامات العربية حول القضية الفلسطينية، وعبرت عن جانب من الخلافات الآيديولوجية حول مسار التسوية والحلول السلمية، فلم تكن مجرد عملية عسكرية أوقعت هذا العدد غير المسبوق من الضحايا الإسرائيليين إنما أيضاً اتسمت بالإتقان والاحترافية والخداع الاستراتيجي، نجحت فيها «حماس» في خداع الجميع حين ابتعدت عن المشاركة في المواجهات الأخيرة بين «الجهاد» وإسرائيل، إذ خرجت الكثير من التقارير والأوراق البحثية الغربية التي تتحدث عن «حياد حماس»، منها إحدى أوراق «مركز كارينغي للسلام» تحت عنوان «حماس من المقاومة إلى التحييد»، وذلك في أعقاب عدم مشاركتها في المواجهات المسلحة التي جرت في شهر مايو (أيار) الماضي، وأن الأمر لم تكن له علاقة بحياد أو انشغال فقط بإدارة شؤون قطاع غزة إنما كان عملية خداع استراتيجي كاملة جعلت المراقبين في الغرب وإسرائيل يتصورون أن «حماس» باتت في طريقها لأن تصبح «إدارة» وليس حركة مقاومة.

ومن هنا فإن عملية «حماس»، رغم عنف رد الفعل الإسرائيلي وتداعياته القاسية على الشعب الفلسطيني، إلا أنها دخلت في مسار العمليات المتقنة والاحترافية التي غابت عن كثير من ممارسات قوى الممانعة والتشدد التي اتسمت في كثير من الأحيان بالعشوائية والشعارات البراقة والانشغال بالمزايدة على قوى الاعتدال من دون تقديم بديل حقيقي.

والحقيقة أن أي نظرة للمواجهات السابقة بين فصائل المقاومة المسلحة وإسرائيل ستكتشف فارقاً هائلاً بين الضحايا الفلسطينيين ونظرائهم الإسرائيليين، فاشتباكات 2008 قتل فيها 13 إسرائيلياً مقابل 1400 فسلطيني، ومواجهات صيف 2014 استمرت 50 يوماً وقادتها حركة «حماس» قتل فيها 73 إسرائيلياً مقابل أكثر من 2000 فلسطيني، والمواجهات المسلحة بين حركة «الجهاد» وإسرائيل في 2019 و2022، ثم في شهر مايو (أيار) الماضي عرفت أيضاً فارقاً كبيراً بين الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين.

والمؤكد أن كل هذه العمليات كان الموقف منها يمثل أحد جوانب الخلاف الرئيسية بين تيار الاعتدال والتسوية السلمية، وقوى الممانعة والمقاومة المسلحة، خصوصاً أن إسرائيل بدت وكأنها غير قلقة من خيار المقاومة المسلحة لمحدودية تأثيره، لأنه لو قتل إسرائيلي واحد فسيقابله موت 100 فلسطيني.

والمؤكد أن عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كانت مختلفة عن كل المواجهات المسلحة السابقة التي وجهت ضربة مباغتة وغير مسبوقة للجانب الإسرائيلي، كما أن اتسامها بالاحترافية والدقة سحب الانتقاد الرئيسي الموجه لفصائل المقاومة المسلحة وتيار الممانعة العربي منذ هزيمة 1967 بأنها تيارات تهتم بالشعارات الآيديولوجية واللافتات السياسية وإنها بعيدة عن الاحترافية والقدرة على الردع والمقاومة المؤثرة.

صحيح أن مقتل 1300 إسرائيلي قُوبل برد عبري مزلزل يدفع ثمنه المدنيون في قطاع غزة، وأن استراتيجية إسرائيل باتت قائمة على تفكيك قوة «حماس» العسكرية واستهداف قادتها العسكريين والسياسيين على السواء عبر اجتياح بري.

ومع ذلك فإن هذا الرد الشديد العنف والبطش لم يطرح إلا بصورة خافتة السؤال «الآيديولوجي» المعتاد في العالم العربي، خصوصاً مصر، حول جدوى عمليات المقاومة المسلحة والعائد من ورائها، الذي طرح بقوة في المرات السابقة.

إن هذا التحول يرجع لأمرين: الأول وكما سبق وأشرنا إلى قوة واحترافية العملية الفلسطينية، كما أن الجميع اكتشف بعد 20 عاماً من السياسات الاستيطانية الإسرائيلية أنها أفرغت مشروع الاعتدال العربي من مضمونه بعد أن قضت على اتفاق أوسلو وحل الدولتين وأضعفت تماماً من السلطة الفلسطينية، أما السبب الثاني فيرجع للانحياز الأمريكي والغربي الفج لإسرائيل سياسياً وإعلامياً (تحسن الأداء الإعلامي لعدد من كبريات الصحف الغربية في الأيام الأخيرة بعد مشاهدة مجازر غزة) مما جعل الانقسام العربي بين معتدلين وممانعين يتراجع بدرجة كبيرة، لأن الموقف المبدئي لتيار الاعتدال العربي من رفض المساس بأي مدني وخلافه مع قوى الممانعة والمقاومة المسلحة التي لا تدعو لقتل المدنيين إنما تعدُّ استهدافهم رد فعل على جرائم الاحتلال، فقد اكتشف كلا التيارين أن قادة الدول الديمقراطية الكبرى يميزون بين المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على أسس قومية ودينية وثقافية، وهو موقف كان صادماً للرأي العام العربي بمختلف توجهاته السياسية وتبايناته الآيديولوجية.

الانحياز الغربي والأمريكي الفج لإسرائيل واعتبار أن هناك ضحايا يُبكى عليهم وآخرين لا قيمة لهم، شكك الجميع في قيم أكبر تتعلق بالعدالة والشرعية الدولية والمساواة بين الشعوب، وأدى إلى تراجع التباينات الآيديولوجية في العالم العربي حول الموقف من مسار التسوية والخلاف بين مؤيدي التطبيع ومعارضيه وبين خيارات التشدد والاعتدال.

ما يجري في غزة رغم مآسيه إلا أنه وضع العالم العربي، ربما منذ حرب 73، أمام أسئلة كبرى تتعلق بالهوية وكيف ينظر العالم لهم ولقضاياهم وأولوياتهم، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية إنما في باقي القضايا، وهي أسئلة أقرب للأسئلة «الوجودية» التي غطت بصورة كبيرة على الانقسامات الآيديولوجية بين معتدلين ومتشددين، وبين أنصار السلم وأنصار الحرب، وهو تحول لافت ستكون تداعياته كبيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملية عابرة «للآيديولوجيات» عملية عابرة «للآيديولوجيات»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 01:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا
  مصر اليوم - اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 00:27 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ميناء دمياط يستقبل 8 سفن للحاويات والبضائع العامة

GMT 02:36 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

بريطانيا تحذر من موجة ثالثة لكورونا

GMT 09:11 2020 الإثنين ,21 أيلول / سبتمبر

20 مؤشرًا لصناعة الغاز الطبيعي خلال عام

GMT 03:30 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

موريتانيا تسجل 171 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon