تعامل اتحاد الكرة المصرى مع لاعب عالمى مثل محمد صلاح بطريقة الفهلوة و«علشان خاطرنا» و«معلهش» و«خلِّيها عليك»، كجزء من المنظومة الحاكمة لأدائنا العام فى مصر سواء كانت فى الرياضة أو فى غيرها، وأصبح بعضنا يتغنى بشعارات حماسية لإخفاء سوء أداء شامل وغياب للمهنية وكل أدوات التقدم.
محمد صلاح، اللاعب العالمى، الذى لم يتخلَّ عن انتمائه لبلده وارتباطه به، رغم أن البعض يتعامل مع هذا الانتماء باعتباره منجم استحلاب مالى، فيحوله إلى مشروع تكافل وكرامة (بتعبير علاء الغطريفى)، دون أى محاولة للاستفادة من مسار نجاحه وتفوقه.
لقد أصر «صلاح» على التمسك بجنسيته المصرية وليس فقط انتماءه الوطنى، على خلاف كثير من اللاعبين العرب والمصريين، الذين اختاروا اكتساب جنسيات الدول الأجنبية المتقدمة، حتى لو ظلوا مرتبطين ببلدهم الأم.
الخلاف بين اتحاد الكرة و«صلاح» بات معروفاً حين تصور الأول أنه يمكن أن يستغل صورة «صلاح» على طائرة المنتخب بجوار إعلان لشركة We للاتصالات، فى الوقت الذى تعاقد فيه «صلاح» بعقد دعاية وإعلان مع شركة منافسة، هى فودافون.
وبما أنه مصرى، واسمه محمد صلاح، وليس «ميسى» أو «رونالدو»، فتعامل معه الاتحاد بكَم من الاستعلاء «والجليطة» وقلة الذوق، وحوّل كل الالتزامات والمعانى القانونية والأخلاقية والمهنية التى تترتب على عقود الاحتراف إلى كلام إنشائى وشعارات تدل على طريقة التفكير الكارثية التى يتعامل بها اتحاد الكرة، والتى تعطى دليلاً حياً على أسباب عدم دخولنا كأس العالم منذ 28 عاماً.
الحقيقة أن تجربة «صلاح» ونجاحاته هى نجاح لمنظومة احتراف حديثة حقق فيها الرجل بجهده وعرقه وأخلاقه الرفيعة نجاحاً عالمياً كان من الصعب أن يحققه لو بقى فى ظل المنظومة الرياضية فى مصر.
وليس عيباً أن نقر بواقعنا، فنحن أفضل من بلاد كثيرة، وأقل من البلاد التى احترف فيها «صلاح»، وتصبح القضية كيف نستفيد من المنظومة التى صنعت عالمية «صلاح»، لا أن يبهت عليه البعض بمنظومة تخلف وبؤس، فيها ما فيها من الأحقاد والعقد تجاه تجربة نجاح ملهمة.
حب الناس ودعمهم الهائل لـ«صلاح» داخل مصر وخارجها كان سبباً رئيسياً فى فشل منظومة البؤس فى كسره، ولو غاب هذا الدعم لكان مصيره مثل آلاف المواهب المدفونة، أو التى دُفنت بسبب الب��روقراطية والروتين وغياب القواعد والقوانين ومنظومة دعم المواهب والكفاءات.
محمد صلاح ليس مجرد لاعب ناجح، إنما هو مسار نجاح يقول لكل مصرى إنه من الوارد أن تصبح فى تخصصك «محمد صلاح» لو وجدت منظومة نجاح System لن تقيِّمك على ضوء خلفيتك الطبقية أو دينك أو توجهك السياسى، إنما قدرتك على التعلُّم والارتقاء فى السلم الاجتماعى والمهنى، وليس مهماً أن تكون لك واسطة لكى تنجح، إنما بمجهودك وعطائك وإخلاصك ستتفوق وتنجح.
نجاح «صلاح» الفضل فيه ليس لاتحاد الكرة المصرى ولا لمنظومتنا الرياضية بأكملها ولا لنظامنا السياسى ولا لنمط قيمنا الاجتماعى، إنما إلى منظومة حديثة سمحت له بالتفوق ولم تسأل عن أصوله ولا لونه.
علينا أن نعترف بأن محمد صلاح صنعته منظومة أخرى متقدمة، وكون الرجل مصرى المولد والمشاعر والانتماء، فلا يجب أن يشده البعض لمنظومة الفشل، إنما تشدنا منظومة نجاحه للأمام.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع