بقلم - عمرو الشوبكي
فجرت إرهابية منتقبة نفسها فى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسى فى قلب العاصمة التونسية، مستهدفة حاجزا أمنيا ثابتا يقع فى نهاية الشارع بجوار المسرح البلدى مخلفة 20 مصابا بينهم 15 من رجال الأمن.
وقد سبق وضرب الإرهاب تونس فى نوفمبر 2015 حيث استشهد 12 عنصرا فى الأمن الرئاسى، وأصيب 20 آخرون فى هجوم انتحارى تبنّاه تنظيم داعش.
ومنذ ذلك التاريخ فرضت الرئاسة حالة الطوارئ مرات عديدة حتى الآن.
وتعد هذه العملية مختلفة عن كثير من العمليات السابقة حيث من قامت بالعمل الإرهابى سيدة انتحارية وليس رجلا، كما هو معتاد، كما أنها تنتمى لفصيلة الذئاب المنفردة أى للعناصر غير المعروفة لأجهزة الأمن وليس لديها ماض تكفيرى أو متطرف كما أنها استخدمت وسائل تفجير شديدة البدائية بما يعنى وجود خلية محلية منعزلة ساعدتها على القيام بهذا العمل الإرهابى.
والحقيقة أن الإرهاب فى تونس على محدوديته (النسبية) يطرح دائما سؤالا حول قدرة الديمقراطية على محاربة الإرهاب، خاصة أن تونس تعتبر تجربة التحول الديمقراطى الوحيدة فى بلدان الثورات العربية، كما أن جيشها محدود العدد والعدة لم يتدخل فى العملية السياسية حتى تكون هناك حجة للاعتداء عليه، كما أنه بلد دمج جزءا كبيرا من الإسلاميين فى العملية السياسية، ومع ذلك لم تقض تماما على الإرهاب ومازال هناك إرهابيون يستهدفون المجتمع والجيش. يقينا النظم الديمقراطية لن تهزم بمفردها الإرهاب، كما أنها لن تمنع وجوده، إنما بالحتم ستحد من انتشاره لأنها فتحت الباب أمام مواجهته فكريا وسياسيا وأمنيا ولم تعتمد على وسيلة واحدة لمواجهته، أى المواجهة الأمنية والعسكرية.
المؤكد أن أعداد الإرهابيين ومشاريع الإرهابيين فى تونس (على كثرتها النسبية) لا يمكن مقارنتها بأعداد إخوانهم فى ليبيا حيث تغيب الدولة الوطنية، أو سوريا والعراق حيث الاضطهاد الطائفى والاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى الذى خلق بيئة حاضنة جعلت مئات الآلاف من سنة العراق مثلا يقبلون بداعش نكاية فى طائفية الأحزاب الشيعية الحاكمة، قبل أن يكتشفوا أن داعش أكثر سوءا منها، فدعموا جيشهم وحرروا مدنهم بعد تغيير حكومة نورى المالكى ومشروعها الطائفى لصالح حكومات جديدة لديها بعد وطنى واضح. الديمقراطية لن تقضى على الإرهاب فى تونس أو غيرها، إنما ستحاصره وتنقذ كثيرين من خطر الانضمام لتنظيماته أو التواطؤ معه، لأن مهمة دولة القانون والنظام الديمقراطى أنها تعطى الأمل للمحبطين والمهمشين بإمكانية تغيير أوضاعهم، وأن هناك جدوى للتعبير السلمى عن آرائهم سواء كانوا مؤيدين للسلطة أو معارضين، فهى تفكك البيئة الحاضنة للإرهاب بإجراءات اجتماعية وسياسية، وتواجه التنظيمات الإرهابية بالإجراءات الأمنية. حفظ الله تونس والدول العربية والإنسانية من خطر الإرهاب، وكل التضامن مع ضحاياه فى كل مكان.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع