بقلم - عمرو الشوبكي
رغم الكلام الدعائى الذى استخدمه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان حميدتى، فى حديثه أمس الأول أمام قواته، واتهام الجيش بأنه يعمل بتعليمات قادة النظام السابق، وسمى بعضهم، فإنه أقر بوجود تجاوزات من قلة من عناصر الدعم السريع، وأعلن تبرئته منهم، وبدا واضحًا أنه لم يقدم خطة حقيقية للتسوية ولم يقدم تنازلات، إنما استعراض قوة شكلى وتأكيد حضور عسكرى وسياسى قد يفيده فى المفاوضات العائدة فى جدة.
ولا يزال خطاب قادة الحرب فى السودان لا يتناسب مع حجم الخراب الذى شهدته البلاد جراء هذه المواجهات الدموية بين الجيش والدعم السريع، خاصة بعد أن تجاوزت ١٠٠ يوم سقط فيها أكثر من ٣ آلاف قتيل، وتم تدمير أجزاء من العاصمة ومدنها الثلاث وانتقال القتال إلى العديد من المدن والولايات الأخرى.
وقد فر حوالى مليون شخص خارج السودان، كما قدرت الأمم المتحدة أعداد النازحين بثلاثة ملايين، ورصدت ألاف الكوارث الإنسانية والصحية نتيجة تضرر أكثر من نصف مستشفيات العاصمة وانهيار المنظومة الطبية ونقص المواد الغذائية.
ورغم أنه كان واضحًا منذ اللحظة الأولى أن هذه الحرب لا غالب فيها ولا مغلوب، ومع ذلك استمرت ٣٥ يومًا قبل أن يجتمع الطرفان المتحاربان فى جدة فى ٢٠ مايو الماضى برعاية أمريكية سعودية، ووقّعا على أثرها على اتفاق وقف إطلاق نار لم يصمد كثيرًا أمام رغبة الجانبين فى حسم الصراع بالقوة المسلحة.
وجاءت تعبئة قوات الحركة الشعبية (شمال) ثم مقتل حاكم دارفور ليزيد من رقعة المواجهات فى أكثر من ولاية سودانية، ووصف بعضها وتحديدًا فى دارفور بجرائم ضد الإنسانية وعمليات تطهير عرقى.
إن مشاهد الدمار والقتل فى السودان فى حرب عبثية لن يستطيع أى طرف أن يلغى فيها الآخر، فلا يمكن أن تشطب جيشًا بحجة أن بعض مَن يقوده هم فلول النظام القديم، ولا يمكن أن تبيد قوة مسلحة قوامها ١٠٠ ألف عنصر بحجة أنها ميليشيا متمردة.
صحيح أن المفروض أن تدمج كل القوى المسلحة فى المؤسسة العسكرية بعد تجديد قيادتها وتأكيد حيادها ومهنيتها، لا العكس.بعد أكثر من ١٠٠ يوم حرب فى السودان، حان الوقت لحساب الخسائر والمكاسب ليكتشف معها الطرفان أن كليهما خاسر، وأن العودة فى الأيام القادمة إلى مسار جدة يجب أن تكون الفرصة الأخيرة لكلا الطرفين من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وإلزامهما، وخاصة قوات الدعم السريع، بضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأهداف المدنية والعسكرية، وتقديم حماية مطلقة للمدنيين وممتلكاتهم وحريتهم فى التنقل، وحظر النهب والسلب.
إن الالتزام بهذه النقاط سيعنى التقدم خطوات نحو تسوية شاملة لا تعيد مسار المرحلة الانتقالية السابقة، إنما تؤسس لمرحلة جديدة بشروط وقواعد جديدة وملزمة للجميع.