توقيت القاهرة المحلي 15:58:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الزلزال البريطانى (2- 2)

  مصر اليوم -

الزلزال البريطانى 2 2

بقلم عمرو الشوبكي

تعددت أسباب تصويت أغلبية الشعب البريطانى بمغادرة الاتحاد الأوروبى، رغم توقعات رئيس الوزراء بنتيجة معاكسة ومعه معظم النخبة السياسية الحاكمة فى حزبى العمال والمحافظين، وجاءت الرياح بما لا تشتهى سفينة ديفيد كاميرون رئيس الحكومة.

والحقيقة أن استفتاء بلد أوروبى على الخروج من اتحاد أوروبى أمر يحتاج إلى التأمل، فكل السياسيين الذين دعوا الشعب البريطانى للخروج من الاتحاد، وعلى رأسهم زعماء حزب الاستقلال وبوريس جونسون، عمدة لندن السابق والمرشح لخلافة رئيس الوزراء الحالى، لم ينكروا هوية بريطانيا الأوروبية ولا إيمانهم بضرورة أن تبنى بريطانيا علاقات قوية مع دول الاتحاد، ولكن بين دول ذات سيادة وليس عبر مؤسسات بيروقراطية «وزعماء غير منتخبين عديمى الفائدة» مثلما قال زعيم حزب الاستقلال فى وصفه لحال الاتحاد الأوروبى.

فالاتحاد الأوروبى مثّل نظرياً فكرة حالمة لها بعد سياسى واقتصادى، حاولت أن تترجم هويتها الثقافية والحضارية فى قالب سياسى محدد، ومن هناك جاءت المشاكل بين حلم ومشروع سياسى وهوية وثقافة لا خلاف عليها، وبين وسيط اسمه الاتحاد الأوروبى يضم هيئات سياسية بيروقراطية وبرلماناً اصطدم بمؤسسات الدول الأوروبية الوطنية، ونازعها سيادتها وغرق فى تفاصيل إدارية وروتينية كثيرة.

والمؤكد أن سياسات الاتحاد الأوروبى كانت رأسمالية صرف، وأضرت فى كل بلد، خاصة البلاد الكبرى، بالقطاعات الأفقر والأقل حظا فى التعليم وأيضا الأكثر خوفا من الانفتاح على قيم العولمة الاقتصادية والسياسية، لذا لم يكن غريبا أن الريف البريطانى ومعه المدن العمالية صوتت بكثافة ضد البقاء فى الاتحاد الأوروبى، فى حين أن المدن الكبرى المنفتحة، وعلى رأسها لندن واكسفورد (حيث الجامعة العريقة) بجانب منطقة جبل طارق (صوتت بنسبة 95% مع الاتحاد الأوروبى) صوتوا جميعا بكثافة لصالح البقاء.

أما الدلالة الأخرى فهى «أجيال التصويت»، وهنا سنجد الأمر صادما بدرجة كبيرة، فيمكن القول إن الأجيال الأكبر هى التى حددت للأجيال الأصغر مستقبلهم بتصويتها لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى، على عكس خيارات الشباب، فى مفارقة لها ألف دلالة، فيكفى القول إن الشباب من سن 18 إلى 24 عاما صوتوا بنسبة 73% لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبى، وأن من هم بين 25 و34 عاما صوتوا بنسبة 62% لصالح البقاء، ومن هم بين 35 و44 عاما صوتوا أيضا لصالح البقاء داخل الاتحاد بنسبة 52%.

ومع الانتقال إلى الشريحة العمرية الأكبر (أى بدءا من 45 عاما) تقدمت نسبة المصوتين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبى حتى وصلت بالنسبة لمن هم فوق الـ 65 عاما إلى 60%.

والحقيقة أن تصويت القطاع الكاسح من الشباب الأصغر (تحت 25 عاما) لصالح البقاء فى الاتحاد يكسر بدرجة كبيرة نظرية أن الفئات الأفقر هى التى حسمت معركة الخروج، لأن هذه الشريحة فى أغلبها إما طلاب أو فى بداية حياتها العملية، أو ممن لم يجدوا من الأصل وظيفة، ومع ذلك صوتوا فى أغلبيتهم الساحقة لصالح البقاء فى الاتحاد، والتفسير هنا ثقافى واجتماعى، فهو جيل أكثر انفتاحا على قيم العولمة وعلى الآخر، ولو بالمعنى الأوروبى، وبالتالى لم يستهوه الخطاب القومى المحافظ الذى جذب شرائح عمرية أكبر ودفعهم للتصويت بمغادرة الاتحاد.

الزلزال البريطانى كبير، وهو يطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل الاتحاد الأوروبى، وأيضا حول مسارات الديمقراطية الليبرالية فهناك كثيرون اعتبروا قرار الشعب البريطانى خطأ، وسيدفع البسطاء منهم ممن صوتوا للمغادرة ثمن هذا الخيار.

والحقيقة أن هناك أسباباً كثيرة مقدرة دفعت أغلبية الشعب البريطانى للتصويت لصالح قرار المغادرة، إلا أن السؤال: هل يمكن أن يتراجع البريطانيون بعد سنوات قليلة عن هذا القرار باستفتاء آخر كما يفعلون فى نظامهم الديمقراطى حين يتغير تصويتهم للأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، أم أن نموذج الاتحاد الأوروبى نفسه هو الذى سيتغير؟ يقيناً الإجابة سيحسمها المستقبل، إنما بنفس اليقين أيضا فإن المسلمات البديهية التى قامت عليها فكرة الاتحاد الأوروبى وعصر التكتلات الكبرى قد تعرضت أيضا لهزة كبرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزلزال البريطانى 2 2 الزلزال البريطانى 2 2



GMT 02:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:31 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

GMT 07:42 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 13:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

جيل ستاين تؤكد أن خسارة هاريس للأصوات بسبب دعم "إبادة غزة"
  مصر اليوم - جيل ستاين تؤكد أن خسارة هاريس للأصوات بسبب دعم إبادة غزة

GMT 12:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد امام يعتبر والده "الزعيم" هو نمبر وان في تاريخ الفن
  مصر اليوم - محمد امام يعتبر والده الزعيم هو نمبر وان في تاريخ الفن

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon