توقيت القاهرة المحلي 13:17:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهمجية

  مصر اليوم -

الهمجية

بقلم عمرو الشوبكي

الهمجية لا تخص فقط الدواعش ولا الإرهابيين ولا المجرمين، إنما قد تصل أيضا إلى بشر عاديين، حرّكهم سلوك القطيع واستدعوا كل ما هو منحط فى غرائز الإنسان، فوجدنا القتل والحرق والنهب، حتى أضاف المجرمون تعرية النساء المسنات حتى يصيبونا بعار جديد.

ما جرى فى قرية الكرم بمحافظة المنيا من حرق لبيوت مسيحيين ونهب ممتلكاتهم والاعتداء على سيدة مسيحية مسنة، بسبب اتهام شاب مسيحى بإقامة علاقة جنسية مع سيدة مسلمة، فكانت النتيجة ليس التحقق القانونى من هذا الاتهام ومحاسبة المخطئ، إنما الاعتداء على كل مسيحى فى القرية مثلما كان يحدث فى القرون الوسطى، حين كانت القبائل تعاقب الأخرى عن خطأ محتمل ارتكبه فرد منها، وكأن دولة المواطنة لم تمر علينا، وكأن مصر ليس فيها دولة وطنية حديثة منذ محمد على (1805)، وكأن ليس فيها دستور ولا قانون، إنما جحافل الجهلاء الذين أصبحت مهمتهم الاعتداء على أشخاص أبرياء لم يرتكبوا أى جرم ولا أى خطأ، إنما ربما يكون أحد أبناء ديانتهم، لا يعرفونه، قد ارتكب خطأ فعوقبوا وكأنهم شركاء فيه، فى مشهد عصى عن أى فهم أو تبرير.

إن الصادم فيما جرى فى المنيا هو أن السيدة الأصيلة التى اعتدى عليها ذهبت إلى قسم أبوقرقاص من أجل تحذير الشرطة من خطر الاعتداءات الطائفية، وطالبت بتكثيف الحماية على بيوت المسيحيين، ومع ذلك لم تتحرك الشرطة إلا بعد الاعتداءات المشينة على بيوتهم وممتلكاتهم.

وفى الوقت نفسه، استمر المحافظ وكبار المسؤولين فى ترديد نفس الكلام الفارغ عن الوحدة الوطنية، وأن الموضوع بسيط لا داعى أن نكبره، أو أن من كبّره هو الإعلام والأمن مستتب، وهى كلها أمور تدل على أننا مازلنا نمارس سلوك النعامة وندفن رؤوسنا فى الرمال حتى لا نصحح أخطاءنا.

إن الاعتداءات التى ارتكبها هؤلاء الهمج هى جريمة عار مكتملة الأركان لا يمكن تخيلها فى أكثر العصور انحطاطا، وهى تدل على حجم الانهيار القيمى والأخلاقى الذى أصاب المجتمع فى السنوات الأخيرة، فهل يعقل أن ينتقم مسلمون من مسيحيين لأن واحدا مسيحيا اتهم بارتكاب جريمة لم تثبت بعد؟ للأسف، هو أمر تكرر أكثر من مرة فى أكثر من قرية وأكثر من حى، حين يؤخذ العاطل بالباطل، وفق الثقافة السائدة حاليا.

هل يفهم هؤلاء المسلمون خطورة التعميم فى وقت هم متهمون فيه بتصدير الإرهاب والتخلف إلى كل بلاد العالم، وفى نفس الوقت نقول إن الإسلام برىء من هؤلاء الإرهابيين، ونصرخ كل يوم ونقول للغرب يجب ألا تعمموا وتتهموا كل المسلمين بالإرهاب والتخلف؟!

إن دفاع المسلمين فى العالم قائم على رفض التعميم وضرورة التمييز بين الصالح والطالح، وبين المصيب والمخطئ، فكيف لا يُفعل نفس الشيء مع شركاء الوطن من المسيحيين؟، وإذا افترضنا أن هناك مواطنا مسيحيا أخطأ، فما ذنب أمه وأهله وباقى أبناء ديانته؟ كيف وصلنا فى تعميمنا إلى هذا السلوك الهمجى المنحط، فنجد منتقمين وقتلة، لا نيابة تحقق، ولا شرطة تحمى وتمنع المصائب قبل وقوعها، ولا مسؤولين ينتفضون ويشعرون بالخزى أمام هذه النوعية من الجرائم والمصائب الكبرى، لا أن يقولوا إنها حوادث بسيطة و«لموا الموضوع» فى انتظار أن يتكرر بعد شهر؟

مهما اعتذرنا لهذه السيدة المصرية الأصيلة، فلن نوفيها حقها، فقد أصاب العار كل من لديه ذرة ضمير فى هذا البلد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهمجية الهمجية



GMT 02:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:31 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

GMT 07:42 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:59 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب توفيق يكشف للمرة الأولى سراً عن أشهر أغانيه
  مصر اليوم - إيهاب توفيق يكشف للمرة الأولى سراً عن أشهر أغانيه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon