بقلم عمرو الشوبكي
الهمجية لا تخص فقط الدواعش ولا الإرهابيين ولا المجرمين، إنما قد تصل أيضا إلى بشر عاديين، حرّكهم سلوك القطيع واستدعوا كل ما هو منحط فى غرائز الإنسان، فوجدنا القتل والحرق والنهب، حتى أضاف المجرمون تعرية النساء المسنات حتى يصيبونا بعار جديد.
ما جرى فى قرية الكرم بمحافظة المنيا من حرق لبيوت مسيحيين ونهب ممتلكاتهم والاعتداء على سيدة مسيحية مسنة، بسبب اتهام شاب مسيحى بإقامة علاقة جنسية مع سيدة مسلمة، فكانت النتيجة ليس التحقق القانونى من هذا الاتهام ومحاسبة المخطئ، إنما الاعتداء على كل مسيحى فى القرية مثلما كان يحدث فى القرون الوسطى، حين كانت القبائل تعاقب الأخرى عن خطأ محتمل ارتكبه فرد منها، وكأن دولة المواطنة لم تمر علينا، وكأن مصر ليس فيها دولة وطنية حديثة منذ محمد على (1805)، وكأن ليس فيها دستور ولا قانون، إنما جحافل الجهلاء الذين أصبحت مهمتهم الاعتداء على أشخاص أبرياء لم يرتكبوا أى جرم ولا أى خطأ، إنما ربما يكون أحد أبناء ديانتهم، لا يعرفونه، قد ارتكب خطأ فعوقبوا وكأنهم شركاء فيه، فى مشهد عصى عن أى فهم أو تبرير.
إن الصادم فيما جرى فى المنيا هو أن السيدة الأصيلة التى اعتدى عليها ذهبت إلى قسم أبوقرقاص من أجل تحذير الشرطة من خطر الاعتداءات الطائفية، وطالبت بتكثيف الحماية على بيوت المسيحيين، ومع ذلك لم تتحرك الشرطة إلا بعد الاعتداءات المشينة على بيوتهم وممتلكاتهم.
وفى الوقت نفسه، استمر المحافظ وكبار المسؤولين فى ترديد نفس الكلام الفارغ عن الوحدة الوطنية، وأن الموضوع بسيط لا داعى أن نكبره، أو أن من كبّره هو الإعلام والأمن مستتب، وهى كلها أمور تدل على أننا مازلنا نمارس سلوك النعامة وندفن رؤوسنا فى الرمال حتى لا نصحح أخطاءنا.
إن الاعتداءات التى ارتكبها هؤلاء الهمج هى جريمة عار مكتملة الأركان لا يمكن تخيلها فى أكثر العصور انحطاطا، وهى تدل على حجم الانهيار القيمى والأخلاقى الذى أصاب المجتمع فى السنوات الأخيرة، فهل يعقل أن ينتقم مسلمون من مسيحيين لأن واحدا مسيحيا اتهم بارتكاب جريمة لم تثبت بعد؟ للأسف، هو أمر تكرر أكثر من مرة فى أكثر من قرية وأكثر من حى، حين يؤخذ العاطل بالباطل، وفق الثقافة السائدة حاليا.
هل يفهم هؤلاء المسلمون خطورة التعميم فى وقت هم متهمون فيه بتصدير الإرهاب والتخلف إلى كل بلاد العالم، وفى نفس الوقت نقول إن الإسلام برىء من هؤلاء الإرهابيين، ونصرخ كل يوم ونقول للغرب يجب ألا تعمموا وتتهموا كل المسلمين بالإرهاب والتخلف؟!
إن دفاع المسلمين فى العالم قائم على رفض التعميم وضرورة التمييز بين الصالح والطالح، وبين المصيب والمخطئ، فكيف لا يُفعل نفس الشيء مع شركاء الوطن من المسيحيين؟، وإذا افترضنا أن هناك مواطنا مسيحيا أخطأ، فما ذنب أمه وأهله وباقى أبناء ديانته؟ كيف وصلنا فى تعميمنا إلى هذا السلوك الهمجى المنحط، فنجد منتقمين وقتلة، لا نيابة تحقق، ولا شرطة تحمى وتمنع المصائب قبل وقوعها، ولا مسؤولين ينتفضون ويشعرون بالخزى أمام هذه النوعية من الجرائم والمصائب الكبرى، لا أن يقولوا إنها حوادث بسيطة و«لموا الموضوع» فى انتظار أن يتكرر بعد شهر؟
مهما اعتذرنا لهذه السيدة المصرية الأصيلة، فلن نوفيها حقها، فقد أصاب العار كل من لديه ذرة ضمير فى هذا البلد.