مصر اليوم
من حق كثير من شباب الإخوان أن يحبطهم قرار عزل الرئيس مرسى، ومن حقهم أيضاً أن يعتبروا أن هناك أطرافاً واجهت رئيسهم المنتخب، ومنها الجيش والدولة العميقة والنظام القديم، ولكن ليس من حقهم أن يروا أنفسهم للمرة الخامسة ضحية مؤامرات الآخرين دون أن ينظروا لمرة واحدة لأخطائهم الجسيمة على مدار 85 عاماً.
مدهش وربما صادم أن تخسر جماعة كل معاركها السياسية والدينية على مدار 85 عاما دون أن تتعلم شيئاً، والغريب أنها خسرت معاركها وهى فى المعارضة فى مواجهة السلطة الملكية وعبدالناصر والسادات ومبارك، وحين لاحت لها فرصة استثنائية ووصلت للسلطة بعد ثورة لحقت بها ولم تصنعها، ارتكبت من الخطايا ما لا يعد ولا يحصى.
والسؤال: هل سيأتى اليوم وتراجع الجماعة نفسها؟ أم أن صيغة الجماعة نفسها هى التى تحتاج لمراجعة؟ الحقيقة أن الثانية هى الحقيقة، فالجماعة بصيغتها الممتدة منذ 85 عاماً كجماعة عقائدية مغلقة تمارس الدعوة والسياسة والنشاط الاجتماعى، وظلت أسيرة هذه الصيغة حين كانت فى المعارضة، وحين كتبنا قبل الثورة عن ضرورة الفصل بين الجماعة الدعوية والحزب السياسى قالوا إن السلطة لن ترخص لها بحزب سياسى، ولن تسمح لها أيضا بتأسيس جماعة دعوية، وبعد أن فتح الله عليها وبقيت فى السلطة حافظت على سريتها ورفضت أن تحصل على رخصة قانونية، واعتبرت نفسها فوق الدولة التى يرأسها مندوب الجماعة فى مشهد غير مسبوق فى تاريخ أى بلد آخر فى العالم، أى أن يأتى رئيس جمهورية من جماعة سرية لا علاقة لها بقوانين الدولة التى يحكمها.
وحين أسست جماعة الإخوان حزبها السياسى ظلت تهيمن على توجهاته وترسم له تحركاته، باعتباره الذراع السياسية للجماعة، فهل سمع أحد فى الدنيا عن جماعة دينية لها ذراع أو أرجل أو أصابع سياسية إلا مع الإخوان؟
إن صيغة الجماعة المهيمنة والمغلقة حين انتقلت إلى المجال السياسى أسست كياناً تابعاً ومشوهاً اسمه الحرية والعدالة، وحين انتقلت إلى الرئاسة قدمت رئيساً فاشلاً اسمه محمد مرسى، وحين انتقلت لإدارة الدولة قدمت أسوأ وزراء وأسوأ رئيس حكومة فى تاريخ مصر المعاصر، لأنهم مجرد أذرع للجماعة المهيمنة أو أصابع لها، وفق تعبيرات الرئيس السابق الشهيرة.
إن جماعة الإخوان التى لا تسمح لأى مواطن بأن ينضم إليها إلا بعد سنوات طويلة من التربية العقائدية والمعايير الدينية، يُسمَح فيها لـ«الأخ» الجديد بالانتقال من أخ محب أو مساعد إلى أخ عامل داخل الجماعة، ما جعلها فى عزلة عن قطاع واسع من المصريين، ارتابوا فيها وفى بنيتها التنظيمية.
وبعد أن وصلت الجماعة للحكم نظر إليها قطاع واسع من المصريين على أنها لا ترى إلا مصلحتها ومصلحة أعضائها وليست لها علاقة بمصالح الشعب المصرى، واعتبروا أن هناك كيان الإخوان فى مواجهه دولة مصر، وهناك نظام الإخوان فى مواجهة الشعب المصرى، وهو حاجز وواقع عمّقه الإخوان كل يوم وهم متصورون أنهم جماعة ربانية لابد أن تكون على حق والجميع على باطل.
إن الخلل فى صيغة الجماعة نفسها وفى بنيتها العقائدية والتنظيمية أنتج فشلهم فى الحكم والمعارضة، وإذا لم يرَ الإخوان أو بعضهم على الأقل هذه الحقيقة فإنهم متجهون إلى انتحار سياسى مؤكد.
amr.elshobaki@gmail.com