توقيت القاهرة المحلي 18:31:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«داعش» الطبعة الجديدة من الجماعات المسلحة

  مصر اليوم -

«داعش» الطبعة الجديدة من الجماعات المسلحة

عمرو الشوبكي

لا يمكن اعتبار داعش تنظيماً ثورياً، ولا يمكن اعتبارها بديلاً للنظام الطائفى الحاكم فى العراق، إنما هى بالتأكيد جماعة إرهابية وجدت ضالتها فى العراق نتيجة وجود حاضنة اجتماعية غير معادية خلقتها سياسات رئيس الحكومة الكارثية نورى المالكى.
والمؤكد أن تنظيم داعش (الدولة الإسلامية فى العراق والشام) يمكن وصفه بأنه الجيل الثالث من سلسلة التنظيمات الجهادية التى عرفها العالم العربى منذ بداية السبعينيات، فالخبرة الأولى كانت فى مصر مع تنظيمات العنف الدينى الجهادية التى مارست عمليات إرهابية منذ عصر السادات وحتى نهاية الألفية الماضية.
والحقيقة أنه حين ظهر تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية بصورة كاملة فى السبعينيات، كان لكل منهما مشروع عقائدى وسياسى استند على أسس فقهية وتفسيرات دينية منحرفة، كفروا من خلالها السلطة الحاكمة باعتبارها لا تطبق شرع الله، وطالبوا بمحاربتها، ولم يكفروا المجتمع كما فعلت جماعة المسلمين- التى عرفت إعلامياً بالتكفير والهجرة.
وظهر كتاب «الفريضة الغائبة» الذى اعتبر الجهاد فريضة غائبة لا يطبقها المسلمون، ويجب استعادتها مرة أخرى، كما قدم قادة تنظيم الجهاد عشرات من الأفكار التى تدعو إلى قتال الحاكم الذى لا يطبق شرع الله، وكذلك فعل تنظيم الجماعة الإسلامية الذى قدم وثيقته الشهيرة «ميثاق العمل الإسلامى»، وتبنى نفس التوجه، أى ضرورة محاربة الحكام الذين لا يطبقون شرع الله، ولكنه كان أكثر مرونة من الناحية التنظيمية والعقائدية من تنظيم الجهاد، فضم أعداداً أكبر وحقق انتشاراً أوسع من تنظيم الجهاد.
وقامت هذه التنظيمات بتجنيد آلاف العناصر فى بنية تنظيمية محكمة، يقودها مستوى قيادى مركزى وعناصر وسيطة وقواعد منتشرة فى كل المحافظات والمدن المصرية، وتم تكوينهم عقائدياً من أجل خوض مواجهة مسلحة مع كل خصومهم فى الدين (الأقباط)، والسياسة (الدولة والعلمانيين)، بالإضافة إلى الأبرياء من المواطنين العاديين الذين سقطوا ضحية هذا العنف الآثم. ونجحت الدولة المصرية فى النهاية فى تفكيك هذه التنظيمات، وإنهاء قدرتها على ممارسة أى نوع من العمليات الإرهابية، فبقايا الجهاد بزعامة أيمن الظواهرى تحالفت منذ عام 1998 مع تنظيم القاعدة، وأعلنت عن ميلاد «الجبهة الإسلامية لمواجهة الصليبيين واليهود»، وخرجت من الساحة المصرية، أما بقايا الجماعة الإسلامية، فأعلنت التوبة ومراجعة أفكارها، بعد أن قضى قادتها سنوات طويلة فى السجون والمعتقلات، وأعقبتها مراجعات بعض قادة تنظيم الجهاد.
الأمر نفسه حدث، وإن كان بصورة أكثر حدة ودموية فى الجزائر، حين نجحت الدولة فى كسر شوكة الجماعة الإسلامية المسلحة التى مارست إرهابا غير مسبوق فى تاريخ الجزائر والعالم العربى طوال سنوات التسعينيات، أو ما عرف بالعشرية السوداء، وراح ضحيته ما يقرب من 100 ألف قتيل.
ومع انكسار التنظيمات الجهادية الكبرى فى مصر، ظهرت مع بدايات الألفية الثالثة وانتقل شكل العنف من التنظيمات الكبرى إلى الخلايا الصغرى، حتى عاد مرة أخرى بعد سقوط حكم الإخوان، ليأخذ شكلاً إقليمياً جديداً ثالثاً مع أنصار بيت المقدس فى سيناء وداعش فى العراق.
ولعل بداية الموجة الثانية من الإرهاب فى مصر بدأت مع حادث طابا الذى جرى فى 6 أكتوبر 2004، وأعقبه اعتداء الأزهر وميدان عبدالمنعم رياض العام الماضى، وجاء بعدهما اعتداء سيناء الثانى فى شرم الشيخ فى 23 يوليو 2005، وأخيرا، اعتداء دهب فى ذكرى عيد تحرير سيناء فى 2006، وهو ما أكد تغير شكل الإرهاب ودوافعه، فهو أولا يغلب عليه الطابع الفردى لأشخاص لا ينتمون إلى أى من التنظيمات الجهادية الكبرى، وليس لهم أى رغبة أو حتى حرص على صياغة مشروع فكرى أو عقائدى يوضح الهدف النهائى من ممارسة هذا العنف، وهم لا يتحملون البقاء لفترة طويلة فى تنظيم محكم بهيراركية صارمة، وشاهدنا عملية انتقال من مرحلة «الفكر الجهادى» إلى عصر «الفعل الجهادى»، وأصبح «الجهاد» فى الحالة الجديدة «مهمة فردية» تمثل نوعا من الخلاص الفردى الذى يصنع- أو يبرر- حادثة فردية، ولا يحمل أى رؤية جماعية أو مشاريع عامة لتغيير المجتمع أو إسقاط النظام كما فعل أعضاء التنظيمات الجهادية فى الثمانينيات، أو «تنظيمات الانتقام» مع أنصار بيت المقدس فى مصر، أو «داعش» فى العراق.
والمؤكد أن هذه الخلايا الإرهابية التى عرفتها مصر طوال العقد الماضى محدودة الأهداف، لا تعمل- ولا تقدر- على إسقاط النظام القائم، إنما هى ترغب أساسا فى إيذائه أو الانتقام منه، ولا يوجد لها انتشار يذكر فى المدن والمحافظات المختلفة، إنما هى عبارة عن خلايا متحركة تؤسس للقيام بعملية أو أكثر ولا يوجد لها أى أدبيات عميقة، إلا تلك العموميات التى تطرحها شبكات القاعدة عبر النت، والتى ترغب فى «الحرب» على الصليبين الولايات المتحدة، والأنظمة الحليفة لها، دون وجود هدف محدد، ولو صعب التحقيق، كالذى رفعته التنظيمات الجهادية القديمة واستهدفت إسقاط النظام بالقوة، أو كما تفعل داعش فى العراق والتى ترغب فى إسقاط «النظام الطائفى» فى العراق.
ومع بدايات الألفية الثالثة، ظهرت الطبعة الجديدة للإرهاب فى العالم عقب اعتداءات 11 سبتمبر، فقد اتضحت قوة «الإرهاب المتعولم» العابر للحدود والقارات، والذى نجح فى ضرب قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشر فى كل بقاع الأرض، خاصة العالم العربى، وجاء إلى العراق مع الغزو الأمريكى، وإلى مصر مع الحكم الإخوانى، وتحولت الحرب الأمريكية على الإرهاب فى أفغانستان والعراق إلى أحد أهم مصادر الإرهاب فى العالم كله.
والحقيقة أن الطبعة الثالثة من الجماعات المسلحة تمثلت فى ظهور تنظيمات جهادية مسلحة، امتلكت حاضنة اجتماعية وسياسية دعمتها بدرجات متفاوتة، ففى مصر تواطأ عدد من قادة جماعة الإخوان المسلمين مع أنصار بيت المقدس، وتركوا لهم سيناء يمرحون فيها ويبنون حاضنة اجتماعية، سرعان ما تراجعت (دون أن تختفى) بعد سقوط حكم الإخوان وقيام الجماعة بعمليات إرهابية داخل سيناء وخارجها.
أما فى العراق، فقد تعمقت الحاضنة الاجتماعية لـ«داعش» نتيجة الحكم الطائفى هناك، وتحالفهم مع ثوار العشائر الذين اضطهدهم المالكى طوال السنوات الماضية، وصار الوضع فى العراق هو الأخطر فى العالم العربى، لأنه على خلاف مصر التى تعترى مسارها السياسى مشكلات كثيرة، ليس بينها الطائفية ولا المساومة على الدولة الوطنية ولا الدستور المدنى والنظام الجمهورى، أما فى العراق، فقد شهد مصيبتين غير مسبوقتين فى كل البلاد العربية التى عرفت عنفا وإرهابا طوال العقود الماضية: الأولى الغزو الأمريكى للعراق وهدمه الدولة وتفكيك الجيش، وتحول الحرب الأمريكية على الإرهاب إلى أحد مصادر انتشار الإرهاب فى داخل العراق وخارجه، والثانية بناء نظام سياسى قائم على المحاصصة الطائفية، فتحول البلد الذى عرف بتسامحه الدينى والمذهبى إلى تربة خصبة للحرب الطائفية، وحلت الميليشيات الطائفية مكان أجهزة الأمن، ومارست وزارة الداخلية جرائم طائفية بحق السنة، لا تختلف كثيرا عن جرائم تنظيم القاعدة بحق الشيعة.
الطبعة الجديدة من داعش لا يمكن مقاومتها إلا إذا استقال المالكى ونُحّى تماما عن الحكم، فهو المسؤول عن انتشارها، أما فى مصر فبالتأكيد مواجهة الإرهاب ستكون فى جانب رئيسى منها بالأمن، ولكن مواجهة الحاضنة الشعبية- ولو كانت محدودة- لابد أن يكون بإجراءات اقتصادية تنموية وإصلاحات سياسية، تجعل الحرب على الإرهاب هى فى نفس الوقت قضية إصلاح وتقدم أى بلد.
"المصر اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» الطبعة الجديدة من الجماعات المسلحة «داعش» الطبعة الجديدة من الجماعات المسلحة



GMT 17:20 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أميون يخططون لمستقبلنا!

GMT 17:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صوتى لكامالا هاريس

GMT 17:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان.. خلاف الأولويات

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 07:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 06:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon