عمرو الشوبكي
تابعت، الأسبوع الماضى على مدار 4 أيام، ما كتبته الصحف الفرنسية الثلاث الكبرى الليموند (فى الوسط) والفيجارو (اليمين) والليبراسيون (اليسار) عن العملية الإرهابية التي استهدفت صحفيى جريدة «شارلى إبدو»، كما تابعت أيضا قناتى فرنسا 24 وTV5.
وقد أدان الجميع، بصورة قاطعة، الحادث الإرهابى، وصدمت الصحافة ووسائل الإعلام كما صدم الرأى العام الفرنسى والأوروبى من تلك الجريمة، وعبرت بشكل موحد عن تضامنها مع الضحايا حتى لو اختلفت المعالجات والأولويات التي أبرزتها كل صحيفة في معالجة قضية الإرهاب، كما بدا أن هناك خيطا رفيعا ربط بينها جميعا حين قرأت رد فعل العالم العربى والإسلامى على هذا الحادث.
ويمكن القول بأن خروج الشعب الفرنسى بالملايين يوم الأحد 11 يناير رفضا للإرهاب وإيمانا بالحرية والديمقراطية قد غطته وسائل الإعلام الفرنسية بشكل كامل وإيجابى، واستخدمت مفردات من نوع الوحدة والتماسك الوطنى وفرنسا الواقفة أو قيام فرنسا، وغيرها من المفردات الوطنية الحماسية غير المعتاد سماعها في أوروبا إلا في أوقات الأزمات والتحديات الكبرى، لأن حب الوطن في الأوقات العادية لا يكون بالغناء إنما بالعمل المخلص دون ضجيج، ومع ذلك ظهرت المشاعر الوطنية بشكل جياش في لحaظات الأزمة والتحدى وربما بصورة لم تشهدها فرنسا منذ استقلالها على يد الجنرال ديجول.
الإعلام الفرنسى، في أغلبه، مثل أغلب السياسيين، كان على مستوى الحدث فيما يتعلق بتغطيته لما جرى داخل فرنسا، فحاول أن يبتعد عن الخلط بين المسلمين والإرهابيين كما فعل بشكل صريح أو ضمنى اليمين المتطرف، إلا أنه حين تعلق الأمر برد فعل العالم العربى على حادثة «شارلى إبدو» فنجده قد أبرز ردود الفعل المعادية للصحيفة والمبررة للجريمة، في حين أن الأصوات التي عبرت عن تضامنها مع الضحايا لم تشر لهم إلا باعتبارهم أصوات نشاز داخل هذا العالم العربى «المتضامن» مع الإرهاب وليس ضحاياه.
صادم مثلا حين تقرر قناة فرنسا 24 أن تغطى ردود الفعل المستنكرة لجريمة «شارلى إبدو» في مصر فتذهب لموقع إلكترونى مغمور لا يعرف عنه أحد شيئا ويعطى انطباعا متعمدا للمشاهد بأن المتضامنين مع ضحايا الإرهاب هم على هامش المجتمع المصرى حتى تكرس الصورة الذهنية في الغرب عن أن الغالبية في مجتمعاتنا تؤيد الإرهابيين.
المفارقة الصادمة أن نقيب الصحفيين قام مع مجموعة من الصحفيين بوقفة احتجاجية أمام النقابة ورفعوا أقلامهم وحملوا بجرأة لافتات تدين الإرهاب وتعلن تضامنها مع ضحايا هذه الجريمة في مشهد مشرف يحسب للنقابة، ولم تغطها أي وسيلة إعلام فرنسية واحدة، بما فيها القناة المذكورة، لأنها إن فعلت ستعطى انطباعا بأن التيار السائد وسط الصحفيين في مصر يدين الإرهاب.
ولكى تكتمل الصورة بين الإعلام المرئى والمكتوب، فقد تجاهلت صحيفة الليموند الفرنسية كل البيانات التي خرجت من الأزهر أو من وزارة الخارجية تدين الجريمة الإرهابية تماما مثل تجاهلها لصور التضامن ولو الرمزية مع ضحايا الإرهاب، وتفتق ذهن الصحيفة الكبيرة في عدد 12 يناير الماضى (الذى غطى بشكل شامل مليونية الأحد 11 يناير) أن تكتب تحقيقا في صدر ملحقها الرئيسى تقول فيه: «مصر ستقتلع رفح وتعزل غزة» وأضافت أن مصر «فى خلال أيام ستهدم 1220 منزلاً يعيش فيها 2044 عائلة».
صادم وفج أن يكون حديث إعلام فرنسا والعالم حول تداعيات العملية الإرهابية في حين أن حديث صحيفة كبرى مثل الليموند عن مصر يكون عن «عزل غزة واقتلاع رفح»، وهى رسالة شديدة السلبية لأنها تكرس صورة نمطية تعتبرنا تقريبا شركاء الإرهابيين، لأنه في عز مكافحة العالم للإرهاب نقوم نحن بعزل قطاع غزة وهدم إحدى مدننا.
إنه حقاً إعلام العين الواحدة.