عمرو الشوبكي
يتعامل البعض مع البرلمان القادم بقدر كبير من الاستخفاف، أو كما كتب صديقنا د. عمرو هاشم ربيع «أهى انتخابات والسلام»، ويعمل البعض الآخر على استعداء قطاعات من الشعب المصرى ضد البرلمان وترديد جمل من نوع «دع الرئيس والحكومة يعملان، ولا تعطلوا المسيرة بالبرلمان»، بما يعنى فتح الباب أمام بناء نظام استبدادى لن يحل مشكلة اقتصادية وسياسية واحدة، مهما كان حجم الصراخ الإعلامى.
والحقيقة أن كراهية الأحزاب والبرلمان لصالح الفراغ الذى يؤسس لفشل قبل استبداد هو مثل كراهية الدولة لصالح الفوضى والاستباحة ونظريات «يسقط الرئيس القادم» دون تقديم أى بديل. والمؤكد أن أى برلمان فى مصر حاليا لن يكون برلمانا مثاليا، وستكون به سلبيات كثيرة، حتى لو كانت هناك قوانين ملائمة تساعد على تفعيل دوره واختيار أفضل العناصر، تماما مثلما هو الحال بالنسبة للسلطة التنفيذية، فمهما كان إخلاصها وصدقها فإن طبيعة المشكلات التى تواجهها البلاد تجعل أداءها محل نقد وتحفظ من قِبَل الكثيرين.
والحقيقة أن حيرة السلطة من البرلمان جعلت هناك أسئلة كثيرة تثار حول طريقة تعاملها معه: وهل القوانين التى صدرت وتتعلق بتقسيم الدوائر ونظام الانتخابات عفوية أو على الأقل تعكس رؤية حيادية ومن أجل الصالح العام، أم أن لها أهدافا سياسية غير معلنة منها جعل البرلمان مفتتا ومنقسما حتى تسهل السيطرة عليه؟
والحقيقة أن قانون نائب لكل 140 ألف مواطن الذى جرى ترتيبه فى الغرف المغلقة دون أى مشاركة من القوى السياسية والمجتمعية لم يخف وزير التنمية المحلية القول، وبشكل علنى، إنه من أجل منع العناصر الإخوانية من دخول البرلمان، وإنه جار تفتيت الدوائر التى بها كثافة لعناصر الجماعة لمنعها من دخول البرلمان. والحقيقة أن معضلة هذا التصور أنه من ناحية يضرب المبدأ الأساسى وراء صدور أى قانون، وهو الحياد والمصلحة العامة، كما أنه يعكس نوعا من الوصاية على الشعب الذى لفظ فى أغلبه حكم الإخوان، ولا يحتاج إلى قانون تفصيل حتى لا ينتخبهم إلا إذا كنا أمام سلطة أفشل من الإخوان جعلت الناس يحنون إلى حكم الجماعة، وهو غير صحيح، فيصبح من المدهش اختزال الجهود فى استبعادهم وليس تقوية مسارك وبناء بديلك القادر على دفع الناس للاختيار الحر من خارج الجماعة.
إن قانون تقسيم الدوائر الذى قيل فى العلن إنه سيستبعد الإخوان نتائجه عمليا ستكون القضاء على النائب السياسى لصالح النائب الذى ستنتخبه عصبيته العائلية أو ماله أو حارته وشارعه وشارع جيرانه وأحبائه، وإذا أضفنا له قائمة نخبوية أخرى ستقررها العاصمة نيابة عن كل المحافظات فى انتخابات القطاعات الأربعة فإننا فى هذه الحالة سنخلق برلمانا مشوها ومنفصلا عن القوى الحية داخل المجتمع، بما يعنى أن الفعل السياسى سيكون خارج البرلمان والقنوات الشرعية، وستكون الكلمة العليا للصوت الاحتجاجى خارج البرلمان.
والحقيقة أن هناك تصوراً آخر مقابلاً لهذا التصور يقول إنه لا يوجد هدف سياسى وراء صدور القوانين المنظمة للانتخابات، وإنها مجرد اجتهادات لفنيين يحكمها هدف واحد فقط هو إقصاء الإخوان وليس سيطرة السلطة على البرلمان، وإن الرئيس لن يؤسس حزباً سياسياً فى الفترة الحالية، وإن من مصلحته أن يرى بنفسه أداء القوى السياسية فى الانتخابات دون أى قوانين معيقة حتى يقرر مع من يتحالف ويفتح باب الظهير الحزبى بعدها.
ورغم أن موضوع الظهير الحزبى للرئيس لن يحسم بالقطع قبل انتخابات البرلمان، فإن الخطر فى وجود حسابات سياسية ضيقة بدأت حين اجتهد البعض لصالح تفصيل المجال العام والسياسى على مقاس ما يتصور أنه صحيح، وإضاعة فرصة بناء مجال سياسى وعملية انتخابية قابلة للحياة وقادرة على دمج القوى السياسية الفاعلة فى المسار الشرعى والقانونى.
إن فكرة تفصيل المجال السياسى لصالح شكل أو أغلبية برلمانية، حتى لو جاءت بانتخابات حرة، ستعنى أننا نؤسس لنظام سياسى غير قادر أو راغب فى المنافسة السياسية، فى حين أن الرؤية الثانية الغائبة تقول إنه يجب أن تكون هناك بيئة سياسية محايدة يطبق فيها القانون، وتعمل على اختيار أفضل العناصر داخل البرلمان، وتقبل بالتنوع والتعدد السياسى، وتضم المؤيدين والمعارضين، ماداموا لا يحرضون ولا يمارسون العنف ويؤمنون بالدستور والقانون والعمل السياسى السلمى.
أما أن يقول البعض إننا فى مرحلة خطرة واستثنائية، (وهو صحيح)، ليبرر ما يقوم به، ويعتبر أن الحل فى تفصيل البرلمان وممارسة وصاية على الناس، باعتبارهم قصر، فى حين أن هؤلاء الناس أنفسهم كانوا عظماء حين انتخبوا الرئيس السيسى بأكثر من 90% وتركوا لإرادتهم الحرة، وعاد الآن واعتبرهم تحت الوصاية، لأن بعضهم يعارض وبعضهم الآخر يختلف وبعضهم الثالث غامر وقرر أن يكون حزبياً، فيكون الحل بتفصيل قوانين، فذلك لن يخدم من فى السلطة وسيضر بالبلد ضرراً شديداً.