عمرو الشوبكي
عرض أحد الإعلاميين صوراً فاضحة ادعى أنها للمخرج والفنان خالد يوسف، وانتفض الكثيرون انتفاضة ضمير أخلاقية ومهنية فى مواجهة هذا العار الذى أصاب الإعلام على يد من تكرر منه الإساءة وارتكب من الجرائم ما فاق الحدود دون أى حسيب أو رقيب، فهو من المحصنين الذين أطلقهم البعض على الشعب المصرى ينهشون فى عرض الجميع حتى وصل التدنى إلى أقصى درجاته بعرض صور مشبوهة على شاشات التليفزيون.
ولعل القضية ليست فى تجاوزات متكررة تصل حتماً لحد الجرائم لعدد من الإعلاميين إنما فى كيفية وصولنا إلى هذا المستوى من الانهيار، ومن المسؤول عما وصلنا إليه، وهل هى توجهات مخططة أم عشوائية واستباحة تحكمها فلسفة مباركية قديمة: دعهم يتعاركوا ويسبوا ويخونوا بعضهم البعض حتى ينسونا.
والحقيقة أن استباحة المجتمع من خلال بعض الإعلاميين أصبحت سمة العصر، فالذوق العام استبيح، وأصبحت جملة من مخلفات الماضى، وإهانة الناس لا تتم فقط عبر شتائم وصور فاضحة على بعض الفضائيات، إنما أيضا من غياب فكرة النقاش العام والمجتمعى حول القضايا السياسية والاجتماعية التى يجب أن تشغل بال الناس، وعدم بذل أى جهد يذكر فى بناء دولة القانون.
والحقيقة أن الخوف من انحياز الدولة ممثلة فى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء تجاه ما يجرى فى بعض وسائل الإعلام أمر مفهوم، وفكرة الحفاظ على مسافة واحدة من كل الأطراف يمكن استيعابها فى الوقت الحالى، فى حين أن المطلوب هو الحفاظ على نوع من الحياد الذى سميناه من قبل بالحياد الإيجابى وليس السلبى، فالأول يعنى مساهمة الدولة الإيجابية فى وضع قواعد قانونية وأطر قانونية تنظم الإعلام وتحافظ على حرمة الحياة الخاصة، وتضع القواعد القانونية والمهنية لضبط عمله، وهو ما لم يحدث حتى الآن، لأن المعتمد هو سياسة الحياد السلبى التى يغيب عنها أى اجتهاد من أجل وضع قواعد تؤسس لنظام سياسى جديد ينعكس على الإعلام وأداء أجهزة الدولة، تاركة الفساد وسوء الأداء يكتسب خطوات كل يوم دون أى قواعد تحول دون انتشاره.
الحياد السلبى هو الوجه الآخر للانحياز والترصد وكلاهما خطر على مصر، فمبارك لم يكن محايداً، لا بالمعنى الإيجابى ولا السلبى، وانحاز لرموز نظامه من سياسيين وإعلاميين وكتاب، ولحزبه الوطنى الديمقراطى بالحق والباطل، والمطلوب ليس تكرار ذلك إنما نوع من الحياد الفعال والإيجابى للسلطة السياسية.
والغريب أن التحول الذى شهدته مصر بعد ثورتى يناير ويونيو أفضى إلى وجود رئيس يحكم بقدر معتبر من الرصيد الشعبى وليس لديه حزب سياسى ينحاز له، ولا إعلاميون أو كتاب متحدثون باسمه، وكثيراً ما كرر أكثر من أى رئيس آخر وربما أكثر من اللازم أنه لا يوجد أحد محسوب عليه وهو غير محسوب على أحد وانتظر الكثيرون ومازالوا أن تتحول هذه الفرصة التاريخية والحالة الحيادية الفريدة فى غياب «حزب الرئيس» (ولو مؤقتا) إلى حياد أو فعل إيجابى يؤسس لنظام جديد وقواعد جديدة.
أن تُعرض صور مشبوهة على شاشات التليفزيون، وهى خارجة على كل القيم والأعراف، سيعنى أن هناك جهة ما أعطت الضوء الأخضر وربما تكون أرسلت لهذا «الإعلامى» هذه الصور، والسؤال: من هى؟ وما هى مصلحتها إذا كانت من داخل الدولة؟ وهل المطلوب قص ريش مبكر لخالد يوسف، أم أن الموضوع له علاقة بطريقة عامة لحكم البلاد تحرص على إبقاء صورة النخبة السياسية بهذه الطريقة، شتائم وصور بذيئة وتخوين، متصورين بذلك أن هذا فى صالح استقرار النظام السياسى.
مازلت أذكر ومعى الكثيرون كيف أن نفس هذا الإعلامى قام بحملة تحريض وأكاذيب أثناء الانتخابات البرلمانية، وحين أتذكر كيف صرخ وقال يوم الانتخابات وفى ظل ما سمى بالصمت الانتخابى (الذى احترمه الجميع إلا هو): «أسقطوا عمرو الشوبكى لأن الإخوان والسلفيين يحشدون له» من حق أى مواطن وأى إعلامى أن يسعى لإسقاط من يريد ولكن إذا كان هناك إعلاميون آخرون دعموا كاتب هذه السطور ولم ينطق واحد منهم أيام الصمت الانتخابى بكلمة دعم أو تعاطف واحدة أو من أى من المنافسين، فهنا نتحدث عن قاعدة قانونية اسمها قانون ينظم الإعلام والعملية الانتخابية والسياسية استبيح ورمى تحت الأقدام وليس انحيازات شخصية وسياسية مقبولة لهذا الشخص أو ذاك.
أخطر ما يمكن أن تتعرض له مصر أن يصبح هذا العار نمط حياة وطريقة حكم، لأنه سيعنى أن كل الوسائل السياسية لمواجهة الخصوم والمنافسين قد استبعدت لصالح حملات التشهير والسباب التى يروجها «الرباعى المحصن» تحت سمع وبصر أجهزة الدولة.
ليس مطلوبا منع أحد من التعبير عن آرائه السياسية فمن أراد أن يدافع عن مبارك كل يوم من حقه، ومن أراد أن يدافع عن السيسى كل يوم من حقه، ومن أراد أن يهاجم ثورة يناير أو يونيو أيضا من حقه، أما أن تنشر صور العار أو تروج لأكاذيب وشتائم لا أساس لها من الصحة فتلك جرائم قانونية ومهنية لا علاقة لها بالرأى السياسى يجب وقفها بالقانون وبسياسة الحياد الإيجابى لا السلبى.