توقيت القاهرة المحلي 16:49:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جرح رابعة

  مصر اليوم -

جرح رابعة

عمرو الشوبكي

سقط أكثر من 700 مواطن مصرى ضحايا فض اعتصامى رابعة والنهضة، بينهم ما يقرب من 40 رجل أمن، وتولد فى مثل هذا اليوم من العام الماضى جرح عميق لم يندمل بعد.

والمؤكد أن العدد الأكبر من هؤلاء الضحايا كان من المدنيين الأبرياء الذين أكدت معظم التقارير المصرية، وعلى رأسها تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن غالبيتهم الساحقة كانت من المتظاهرين السلميين، وأكدت أيضا وجود عناصر مسلحة قُدرت بحوالى 19 عنصرا، أطلقت الرصاص أولًا على رجال الأمن، واستشهد على إثرها نقيب شرطة، فخرجت الأمور عن السيطرة وحدثت تجاوزات كثيرة صاحبت عملية الفض وأدت لسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا.

إن تحميل طرف واحد، أى الدولة، مسؤولية سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، كما يصر الإخوان وحلفاؤهم على التأكيد ومعهم بعض المنظمات الحقوقية، أمر غير أمين، لأن الدولة وأجهزة الأمن تتحمل جانبا من هذه المسؤولية، إنما العناصر الإرهابية التى حملت السلاح فى اعتصام سلمى وسط بسطاء من المصريين بعد أن جلبتهم الجماعة من المحافظات وتاجرت بدمائهم هى التى تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية، وأتمنى أن يتضمن تقرير تقصى الحقائق، الذى يشرف عليه المستشار الجليل فؤاد رياض، تحديد كل هذه المسؤوليات ومحاسبة المخطئين وتعويض الضحايا.

وإذا كانت مصر تحتاج إلى تحقيق شفاف ومستقل فيما جرى فى مثل هذا اليوم من العام الماضى، إلا أنه من المؤكد أن تداعيات عملية الفض داخليا وخارجيا كانت أكبر مما تصورته الدولة.

وبعيدا عن تقرير «هيومان رايتس ووتش» المنحاز، ودخول الدولة فى جدل حوله، وبعيدا عن القراءات المتناقضة حول ما جرى فى رابعة، بين غالبية تؤيد الفض لإعادة هيبة الدولة، وأقلية مؤثرة تراها مجزرة سقط فيها مئات الضحايا (روج الإخوان كذبا فى البداية أنهم 3 آلاف قتيل)، وتحمّل الدولة فقط مسؤولية سقوط كل هذا العدد من الضحايا.

وقد نسى الجانبان أن تناقض الرواية السياسية أمر يجب ألا يجعلنا تحت أى ظرف نتغاضى عن حقوق مئات الضحايا الذين سقطوا دون أن يحملوا السلاح، وألا نخلط بين خلافنا معهم ومع توجهاتهم وعدم رغبتنا فى أن يخضعوا لغسيل المخ الإخوانى، وبين أن نتعامل مع دمائهم بهذا الحياد لأنهم حملوا رؤية أخرى وشاركوا فى اعتصام رفضته غالبية الشعب المصرى.

أن يُفض الاعتصام نعم، وأن تضطر الشرطة لفضه بالقوة فى ظل وجود هذه العناصر المسلحة أمر وارد، إنما أن نُدخل تعويض أهالى الضحايا ومعرفة حقيقية ما جرى فى مساومتنا السياسية فهذه جريمة لا تقل سوءا عن جرائم الإخوان.

إن قضية رابعة التى تعولمت وصارت جزءا من دعاية الإخوان وحلفائهم ضد النظام الحالى، دعمتهم فيها قوى وجماعات حقوقية ويسارية فى العالم كله، كثير منها كان لأسباب مبدئية حين هالتهم صور الضحايا وتجاهل الحكومة فتح ملفهم، وبعضهم كانوا موجهين من قبل بعض دوائر صنع القرار المعادية للنظام المصرى.

لقد تُرك موضوع رابعة على مدار عام لخطاب التحريض والكراهية المتبادل، فهناك من لم ير- كما هى العادة- ضحايا الشرطة الذين تجاوزوا منذ بداية حكم مرسى حتى الآن 500 شهيد، وهناك من قال لا يهم سقوط ضحايا أبرياء طالما كان هناك مسلحون إرهابيون داخل الاعتصام.

والحقيقة أن كلا الموقفين يحتاج إلى مراجعة، أحدهما إخوانى لا يراجع نفسه لأنه يكره الدولة والمجتمع، والثانى يجب أن يراجع موقفه وعليه ألا يتجاهل ضحايا رابعة لأنهم ضد النظام أو لأن قلة منهم حملوا السلاح، ويترك قضية القصاص للشباب الإخوانى ولبعض الشباب الثورى والغاضب يتفاعل معها بشكل يومى دون أى نقاش رسمى حقيقى حول هذا الموضوع.

ما حافظ على مصر أن انقسامها السياسى لم يتحول بعد إلى انقسام مجتمعى شامل أو إلى مواجهات أهلية، إلا أن جرح رابعة سيدفع بعض التيارات السياسية إلى استغلاله وتوظيفه لصالح مزيد من الانقسام المجتمعى.

المؤكد أن فتح ملف ضحايا رابعة سيؤدى إلى الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعى المصرى بعد حالة الاستقطاب الشديد التى تعرض لها المجتمع، وتعرضه لانقسامات عديدة بين الاتجاهات السياسية المختلفة، وإذا كان المجتمع المصرى قد شهد مواجهات بين فصائل سياسية مختلفة، فإن هذه المواجهات لم تنقل إلى دوائر أوسع من الأهل والأنصار، كما يجب على الدولة أن تقف فى مواجهة خطاب الانتقام الفردى أو المحاسبة خارج إطار القانون، والتى فى حال حدوثها، لا قدر الله، فمن شأنها أن تقضى على تماسك المجتمع ووحدته ومستقبل الأجيال القادمة.

يجب ألا نخاف أو نتردد فى فتح جرح رابعة، ولا أن ندخل المواقف المبدئية والأخلاقية فى حسابات السياسة، فمن يدافع عن الوطن أو ينتمى إلى معسكرنا ندافع عنه وعن حقوقه ونطالب بالقصاص له، ومن يختلف معنا وسقط ضحية المواجهات الأمنية ولم يمارس العنف نتجاهل حقوقه.

المؤكد أن هذا السلوك الثأرى هو سلوك القبائل وليس الدول، ونحن فى حاجة لأن تعترف الدولة بأخطائها فى حال ثبوتها، وتحاسب المسؤولين عنها دون أن تكون رد فعل لما يفعله الإخوان، فهى تعوض مواطنين مصريين حتى لو سقطوا فى المكان الغلط ودفاعا عن القضية الغلط، فإن حقوقهم يجب أن تظل مصونة ولا تخضع لأى أهواء سياسية.

المصالحة المجتمعية أهم بكثير من المصالحة السياسية، لأنها تعنى الناس والمجتمع، وجرح رابعة يمثل أحد جوانب الانقسام المجتمعى بعيدا عن توظيف الإخوان له، وحين نفتح هذا الجرح فلا نفعل ذلك بسبب الإخوان أو لصالحهم، إنما لصالح الوطن ولصالح الأبرياء الذين سقطوا ولهم أسر وأهل وأصدقاء من حقهم أن يشعروا بالعدل والأمان فى هذا البلد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرح رابعة جرح رابعة



GMT 08:57 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 08:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 08:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 08:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 08:53 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 08:52 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 08:50 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 08:49 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon