عمرو الشوبكي
عدم دعم الشعب الفلسطينى فى محنته الحالية تحت حجة سيطرة حماس على غزة خطيئة لا تقل سوءا عن العدوان الإسرائيلى نفسه، فحماس ارتكبت أخطاء فادحة فى إدارتها لقطاع غزة، وساهمت فى حياد قطاع من الرأى العام المصرى والعربى تجاه ما يجرى هناك، وجعلت بعضنا ينسى أن المسؤولية الأولى تجاه ما يجرى فى غزة وكل فلسطين هى الاحتلال الإسرائيلى الذى اعتاد أن يقتل ويشرد ويهدم المنازل دون أى حساب.
والحقيقة لا توجد دولة فى الكرة الأرضية دللها المجتمع الدولى مثلما فعل مع إسرائيل، ومن المستحيل أن نجد دولة احتلال تضامنت معها القوى الكبرى مثلما فعلت أمريكا وأوروبا مع الدولة العبرية، ومن الصعب تبرير هذا الضعف العربى فى التعامل مع دولة خارجة على القانون مثلما يحدث مع إسرائيل.
والمؤكد أن جرائم أى دولة تكتمل حين يصبح عدد المتواطئين أكبر من عدد القادرين على مواجهتها، وتصبح الجريمة كاملة حين تمتلك غطاء شرعيا لا يعتبرها حتى جريمة «قتل خطأ»، إنما يجد لها المبررات والأعذار لكى تتحول إلى عمل طبيعى، بل فى بعض الأحيان إلى نوع من الكفاح والبطولة. هذا ربما ما فعلته إسرائيل منذ احتلالها لفلسطين عام 1948 وحتى عدوانها الغاشم على قطاع غزة، حين هيأت المسرح الدولى لقبول جرائمها، وقبلها المسرح الفلسطينى بانقسامه الداخلى واستئثار حماس الإخوانية بقطاع غزة وعزله عن باقى الأراضى الفلسطينية، وأخيرا العجز العربى الدائم عن مواجهته..
والحقيقة أن نجاح إسرائيل فى الترويج بأن حروبها العدوانية كانت إما من أجل الدفاع عن النفس ضد صواريخ غزة أو فى إطار «الحرب ضد الإرهاب»، واعتادت القيام بحملة دعائية واسعة فى الإعلام الغربى، ونشاط دبلوماسى مكثف من أجل التأكيد على أن الحرب على قطاع غزة هى جزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب، ونست أو تناست أن هذا الشعار الذى رفعته أمريكا منذ اعتداءات 11 سبتمبر كان أحد الأسباب الرئيسية وراء انتشار الإرهاب فى العالم كله.
ليس مطلوبا أن يورط أحد الجيش المصرى فى أى حروب خارجية بعيدة عن الدفاع عن ترابه الوطنى، ولا المزايدة عليه وعلى دوره وتاريخه، وكأن الجيش القطرى ذهب مع نظيره التركى للحرب من أجل تحرير فلسطين وتخاذلت مصر.
معركة مصر مع إسرائيل هى معركة دبلوماسية وقانونية وسياسية من أجل وقف عدوانها على غزة، وليس تحريك الجيوش ولا ادعاء البطولات الوهمية على طريقة أردوجان حين قال إن تركيا لا تدير ظهرها لغزة وكأنه قد فعل أى شىء لمواجهه العدوان الإسرائيلى.
ليس مطلوبا أن نحارب فى فلسطين وفى نفس الوقت ليس مطلوبا أن يصمت بعضنا على العدوان ضد أهل غزة لأن حماس تسيطر عليه، ولا أن يشمت بعضنا الآخر فى شهداء المقاومة لأن بعضهم من حماس.
فلسطين قضية عادلة مهما أساء لها البعض، وشعبها بطل وعظيم يستحق الدعم المادى والمعنوى فى مواجهة آخر دولة احتلال فى الكرة الأرضية وهى إسرائيل، ولا يجب أن نختزل فلسطين فى حركة حماس، وحين يكون المحتل هو المعتدى والمهاجم فيجب علينا جميعا أن نتضامن مع الضحية مهما كان لونها السياسى لأن القضية هنا تصبح قضية دفاع عن العدل والحق وليس عن فصيل سياسى.