عمرو الشوبكي
محطات النقاش فى حوار الأسبوع الماضى بمدينة هلسنكى دارت فى جانب رئيسى منها حول الأزمة الليبية، وامتد الخلاف الليبى ـ الليبى لينعكس تقريبا على مداخلات كل الحاضرين، فقد ضمت المجموعة الليبية رجلا طيبا وبسيطا جدا عيّنته ميليشيات طرابلس «رئيس وزراء»، وهو غير معترف به دوليا ولا إقليميا ومعه اثنان من المستشارين، أحدهما ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين وبدا فى وضع أقوى ممن قيل إنه رئيس وزراء.
وقد تحدث القيادى الإخوانى الليبى عن أنهم حاملون لمشروع إسلامى تم إجهاضه فى مصر ويحاول البعض أن يتآمر عليه فى ليبيا، وإنه مع الحوار وفى نفس الوقت ضد مشروع الفريق حفتر الذى يمثل امتدادا لنظام القذافى، وانتهى بأن قال إن على الغرب أن يعطى فرصة للإخوان لكى يحلوا مشكلة الجماعات التكفيرية لأنهم يعرفون مفرداتهم أكثر من غيرهم فى تسويق فجّ للجماعة داخل الأوساط الغربية.
وقد تحدثت عن أن الصورة التى يسوقها الرجل عن جماعة الإخوان المسلمين تضعهم فى صورة ملائكية لا تعترف بأخطائهم، ونسيت أو تناست صدام الجماعة مع النظام الملكى والعصور الجمهورية على السواء، فلو كان مبارك مخطئا فى تعامله معهم ومع غيرهم فهل الجميع مخطئون من الملك فاروق مرورا بجمال عبدالناصر وحتى أنور السادات، حيث كان الصدام والعنف سمة متكررة فى صراع الجماعة مع كل النظم، ومع ذلك لم يقدموا أى مراجعة لتجاربهم ولم يعترفوا بأى أخطاء إنما اعتبروا أنفسهم فقط ضحايا لأخطاء الآخرين.
وكانت هذه الجملة كافية لأن ينهى الإخوانى الليبى أى حوار معى طوال اليوم حتى صباح الخير فى اليوم التالى، على عكس من سمى برئيس الوزراء، فقد كان الرجل ودودا للغاية وتحدث عن دور مصر الريادى وأشعرنى كأنه مختطف من قبل الإخوان والميليشيات المتحالفة معهم.
أما الحوار مع رئيس وزراء تونس الأسبق «اللى بجد» حمادى الجبالى فكان أكثر عمقا وتقبلا للخلاف، مقارنة بـ«أخيه» الليبى، فالرجل منتمٍ فكريا وسياسيا لحزب النهضة رغم استقالته تنظيميا من الحزب، ودار بينى وبينه حوار جانبى بعد الجلسة الأولى حول الأوضاع فى مصر وقلت له إنكم تتبنون بالكامل رواية الإخوان المسلمين، وهو ما قد أفهمه من حزب ينتمى تاريخيا لمدرسة الإخوان المسلمين، إلا أن المشكلة أنكم لا ترون القسم الأكبر من المصريين الذين عارضوا الإخوان ورفضوا حكمهم ونزلوا ضدهم بالملايين فى الشوارع وتختزلون ما جرى فى التدخل العسكرى.
وقد ذكرت فى الجلسة العلنية أن تجربة تونس تظل مختلفة عن مصر من زاوية أن النهضة هو حزب سياسى وليس جماعة دينية، وسيظل رأيى الذى كررته مرارا وأعدته فى هذا اللقاء أن الحزب السياسى حتى لو كانت مرجعيته إسلامية فإنه يمكن فى ظل وجود نظام سياسى مستقر، وقوى مدنية منافسة قوية، أن يقبل بالحلول الوسط ويقدم تنازلات للآخرين، وهذا ما فعله حزب النهضة مرتين فى تونس حين قبل بتغيير وزراء السيادة فى الحكومة التى يرأسها الجبالى مرة، ثم عاد وتنازل عن رئاسة الحكومة، وقبل بحكومة تكنوقراط فى المرة الثانية، أما فى مصر حيث الجماعة السرية العقائدية المغلقة فإنها رفضت أن تغير وزيرا واحدا لأن من كان فى يديه القرار لم يكن حزب الحرية والعدالة ولا الرئيس مرسى إنما مكتب إرشاد جماعة سرية أراد أن يدير البلد ويخطف الدولة من وراء الستار، فكانت انتفاضة الشعب فى 30 يونيو وتدخل الجيش فى 3 يوليو، لينتهى فصل حكم الإخوان فى مصر.