عمرو الشوبكي
عاد طلاب الجامعات المصرية إلى جامعاتهم، ورجعوا اليوم إلى مدرجاتهم وزملائهم وأساتذتهم فى عام جديد ملىء بالتحديات بعد أن غلب خطاب التهديد والإجراءات الأمنية وتغييب السياسة باعتبارها فى ذاتها هى مصدر الخطر على الجامعات، وليس العنف والتخريب والخطاب التحريضى الذى لا يمكن مواجهته فقط بالإجراءات الأمنية إنما بمشروع سياسى بديل.
الراحل الشيخ إمام غنى قصيدة لعمنا (الراحل أيضاً) أحمد فؤاد نجم كان رأيه فيها مختلفًا حين قال:
رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تانى
يا مصر إنتى اللى باقية وانتى قطف الأمانى
لا كورة نفعت ولا أونطة ولا المناقشة وجدل بيزنطة
ولا الصحافة والصحفجية شاغلين شبابنا عن القضية
قيمولنا صهبة يا صهبجية ودوقونا طعم الأغانى
رجعوا التلامذة للجد تانى
طلعوا التلامذة ورد الجناين.
صحيح تغيرت الظروف وتغيرت الجامعة عن أيام «الشيخ إمام»، وإن بقى جانب من المشكلة متكرر حول علاقة الطلاب بالسلطة القائمة منذ العهد الملكى وحتى العهود الجمهورية.
والمؤكد أن ما شاهده المصريون طوال العام الماضى من اعتداءات إجرامية على مبانى الجامعة وأساتذتها قد دفع الكثيرين إلى مطالبة الدولة بردع المخربين المتخفين فى زى طلاب، وهو أمر بديهى ومشروع، ولكن فى نفس الوقت اعتبار أن سبب هذه الحوادث هو النشاط السياسى هو أمر مغلوط وشديد السلبية.
أن نستمع على مدار أشهر الصيف فقط للإجراءات الأمنية التى ستتخذها الجامعة بحق الطلاب المخالفين، وعن قيام الدولة بجلب شركات أمن خاصة لحراسة المنشآت وبوابات إلكترونية، و«طلاب شرفاء» يبلغون عن زملائهم «غير الشرفاء» المحرضين على التظاهر، والحديث عن فصل الطلاب المشاغبين والأساتذة المحرضين على العنف بقرار من رئيس الجامعة، دون أى حديث عن إدارة سياسية لمشاكل الطلاب والجامعة- هى بمثابة كارثة مكتملة الأركان وستعقد الأمور فى الجامعة ولن تحل مشاكلها كما يتصور البعض.
مشكلة هذا الخطاب أنه نسى أن أغلب الطلاب لم تكن لهم علاقة بالعنف ولا الإخوان، وهم ليسوا ضد أى إجراءات أمنية تحول دون تكرار عنف العام الماضى مرة أخرى هذا العام، وأن تخويف كل من يعترض على الإجراءات القمعية بالصريخ: هل تريدون الفوضى، هل ترغبون أن تتحول الجامعة إلى ساحات عنف؟ والإجابة قطعاً لا، فالمؤكد أن خطاب التهديد الذى استخدمته الدولة طوال الأشهر الماضية سيعقد مشكلة الجامعة، لأنه اختزلها فى الأقلية العنيفة المخربة، ونسى أن هناك أغلبية من الطلاب تستفزهم الإجراءات الأمنية الفجة، وهناك من لديه موقف سياسى من النظام الحالى، ويراه مسؤولاً عن دماء كثيرة سقطت، وأن هناك آلة تعبئة سياسية، جزء منها إخوانى، تدفع بقطاعات من الطلاب إلى رفض النظام بخليط من مفردات ثورية وإخوانية ترى أن ما جرى انقلاب عسكرى، وإننا بصدد إقامة حكم عسكرى، وتنشأ عناوين طلابية من نوع «طلاب ضد الانقلاب» وغيرها، وهؤلاء معارضون يجب أن يقبلهم أى نظام سياسى ديمقراطى، طالما لم يمارسوا العنف وليسوا مخربين. والسؤال كيف نتعامل معهم إذن؟ مع الأخذ فى الاعتبار أنهم يمثلون فئة عمرية (18 إلى 22 عاماً) هى احتجاجية بطبيعتها، وأن طريقة تعاملنا معهم ستحسم ليس فقط مستقبلهم إنما أيضاً مستقبل النظام السياسى.