توقيت القاهرة المحلي 07:38:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيناء الجريحة

  مصر اليوم -

سيناء الجريحة

عمرو الشوبكي

حتماً هناك مشكلة فى سيناء، وهناك خطاب إعلامى وسياسى وممارسات عمّقت من جراح أهالى سيناء، حتى أصبحنا أمام مشكلة حقيقية معرضة للتفاقم مادمنا لم نمتلك رؤية سياسية واجتماعية لحل مشاكلها، ومادام هناك من يدعو لدكّ سيناء وتهجير أهلها ويصفهم بـ«الخونة والمتآمرين».

والحقيقة أنه فى الوقت الذى يطالب فيه البعض بأن تكون سيناء قاعدة لانطلاق مشاريع مصر التنموية والسياحية، ويعجز عن استيعاب ما يقرب من مليون مواطن داخل النسيج المجتمعى المصرى، ويصب «جام فشله» على أهلها، فالسؤال الذى يجب أن يُطرح: ما الذى جعل جزءاً من البيئة الاجتماعية فى سيناء يغير موقفه من الدولة المصرية، وكيف انتقل دعم قطاع واسع من أهالى سيناء للجيش والدولة المصرية أثناء الاحتلال الإسرائيلى إلى موقف فيه كثير من الريبة والخوف لدى البعض، والمرارة والعلاقة الثأرية لدى البعض الآخر، بما يعنى أن العيب ليس فى «جينات» أهالى سيناء الذين اختاروا أن يقفوا مع الدولة المصرية ضد ترهيب وترغيب إسرائيل منذ أكثر من 40 عاما، وعادوا وأصبح لقطاع منهم موقف سلبى من هذه الدولة؟

والحقيقة أن الاعتراف بأن هناك بيئة حاضنة للإرهاب فى سيناء لا يعنى اعتبار أهلها إرهابيين، فالبيئة الحاضنة فى الحالة المصرية هى بيئة جزئية وليست شاملة، وهى مرتبطة بجملة من الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية، التى لم يحاول أهل الحكم منذ عهد مبارك حتى الآن حلها، ولو بشكل تدريجى.

والمؤكد أن بداية الشرخ الذى حدث بين الدولة وأهالى سيناء ترجع إلى أكتوبر 2004، عقب اعتداء طابا الإرهابى وقيام أجهزة نظام مبارك بتوسيع دائرة الاشتباه حتى شملت ما يقرب من 4000 معتقل تعرض بعضهم لاعتداءات وانتهاكات صارخة.

ومنذ ذلك التاريخ غابت السياسة تماما، ودخل الأمن وأصبح فى يده تقريبا كل ملفات سيناء ومصر، وتعرض جزء كبير من أهالى سيناء للملاحقة والاعتقال، وشعروا بالتهميش والغبن فى ظل سياسات إقصائية لم تتغير حتى الآن.

وجاء دخول الإرهابيين إلى سيناء ودخول مصر فى حرب ضد الإرهاب، فوجدوا بيئة حاضنة من بعض البشر وكثير من الجبال ساعدت على تغلغلهم وقدرتهم على التحرك والإيذاء.

فى كل بلاد العالم التى دحرت الإرهاب، بما فيها مصر فى الثمانينيات، بدأنا بالسؤال الكبير: هل هناك بيئة حاضنة للإرهاب؟ وكيف يمكن تجفيف منابعه الفكرية والمادية؟ هذا السؤال حاولنا أن نجيب عنه فى حربنا الأولى ضد الجماعات الجهادية فى الثمانينيات والتسعينيات بالعمل على تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب حين لم تكن هناك بيئة اجتماعية تُذكر حاضنة له، وكان البعد العقائدى هو المسيطر (الانحراف فى التفسير الدينى) على هذه الجماعات، وليس الشعور بالظلم السياسى أو التهميش الاجتماعى كما هو الحال الآن (وجعل هناك بيئة حاضنة للإرهاب)، ولعب الأزهر فى ذلك الوقت دورا مهما، وتحاور علماؤه مع الجهاديين والتكفيريين داخل السجون وخارجها، ونجحت الدولة فى كسر شوكة الإرهاب.

صحيح أن الظروف الآن تغيرت بعد أن «تعولمت» الجماعات التكفيرية وأصبحت عابرة للحدود، وأكثر قوة وعنفا، ونجحت فى تهديد الدولة الوطنية فى أكثر من بلد عربى، وهو تحد جديد يتطلب جهدا وأداء مختلفا لا علاقة له بدولة مبارك التى مازالت تحكمنا حتى الآن.

والحقيقة أن نجاح أى حرب على الإرهاب يتمثل فى امتلاك رؤية شاملة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع لمواجهته، تشمل جوانب سياسية واجتماعية ودينية بالتوازى مع الجانب العسكرى، بغرض فصل البيئة المجتمعية الحاضنة للإرهاب عن الجماعات الإرهابية بإجراءات سياسية واجتماعية، حتى تسهل هزيمة الجماعات الإرهابية بالقوة.

والحقيقة أن هناك مشكلات اجتماعية يومية فى سيناء أشار إلى بعضها الشيخ عيسى الخرافين، شيخ قبيلة الرميلات، أحد كبار المجاهدين فى سيناء، فى حواره المهم فى «المصرى اليوم»، فى 6 إبريل الماضى، وهى بداية طيبة لفتح جروح سيناء ومشاكلها بعيدا عن صراخ الفضائيات.

وقد قال الرجل إن الدولة شكلت جهازا لتنمية سيناء 3 مرات ولم يحدث شىء حتى يومنا هذا، مشيرا إلى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عين وزيراً للسد العالى، وسيناء ليست أقل أهمية من «السد» فى الوقت الحالى.

وأوضح أن شيوخ القبائل اجتمعوا بالفريق أسامة عسكر، قائد القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب، وناقشوا معه جميع المشكلات التى يعانى منها أبناء سيناء، ومن بينها الضرب العشوائى الذى يصيب منازل المواطنين ويقتل بعضهم، (هناك 11 شخصا من عائلة واحدة سقطوا الأسبوع الماضى)، ومشكلة المعتقلين فى معسكر الجلاء العسكرى بالإسماعيلية دون دليل إدانة، وقال الرجل بشكل واضح: «لابد من التحرى الدقيق قبل القبض على المواطنين، وإصدار عفو كامل عن غير المتورطين فى أى أعمال إرهابية».

سيناء ليست جزءاً حسب الحاجة من مصر نغنى لها ولأرض الفيروز حين تجلب لنا السياحة والعملة الصعبة وتحتضن مشاريعنا الكبرى، وحين تمر بمحنة- بسبب سياسات الحكم الخاطئة- يصب بعضنا جام غضبه على أهلها ويتهمهم بأسوأ الاتهامات، وينسى أو يتناسى أنه فشل فى حل مشاكلهم، بل ربما كان سبباً فى تفاقمها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيناء الجريحة سيناء الجريحة



GMT 06:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 06:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 06:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

GMT 06:23 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon