توقيت القاهرة المحلي 19:56:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عبدالناصر الذى لا يتكرر

  مصر اليوم -

عبدالناصر الذى لا يتكرر

عمرو الشوبكي

فى مثل هذا اليوم منذ 44 عاماً رحل جمال عبدالناصر عن دنيانا عن عمر ناهز الـ52 عاما، تاركا مشروعا فكريا وسياسيا لم يكتمل، وحلما بالوحدة العربية والتقدم لم يجد من يحققه من بعده.

قوة عبدالناصر لا تكمن فقط فى نزاهته الشخصية ولا فى شعبيته الجارفة ولا فى دوره كبطل تحرر وطنى، إنما فى تفرده بالقدرة على تقديم مراجعة نقدية واعتراف بالخطأ عقب هزيمة 67 وتقديمه استقالته.

صحيح أن ثورة عبدالناصر لم تكن ديمقراطية، وأسست نظاما غير ديمقراطى قام على الحزب الواحد، وتساوى مع زعماء العالم الثالث «المدنيين» و«العسكريين» الذين أسسوا لنظام الحزب الواحد أيضاً، متصورين أن مواجهة الاستعمار فى الخارج وتحقيق التنمية فى الداخل، يتطلبان نظماً تعبوية من هذا النوع، وبدت الهند استثناءً واضحاً من كل تجارب التحرر الوطنى بتأسيسها تجربة ديمقراطية لم تخلُ من مشكلات أيضاً.

عبدالناصر لم يقم نظاما غير ديمقراطى لأنه «عسكرى» كما يردد البعض نتيجة «العمى الأيديولوجى»، وتصفية الحسابات مع ثورة يوليو وعدم قراءة الواقع على حقيقته وليس كما تتخيله الأوهام السياسية المسبقة.

فقد أسس الرجل تنظيم الضباط الأحرار، وهو فى بداية الثلاثينيات من عمره ضارباً القواعد المتعارف عليها فى أى مؤسسة عسكرية منضبطة، لا تقبل بل ولا تتسامح مع أى تنظيمات سرية تخترق صفوفها، وتعامل مع قوى سياسية متعددة من شيوعيين وليبراليين وإخوان مسلمين، وقام بثورة ضد النظام القائم وأيضا فى مواجهة قادته العسكريين، وهو أمر يضع تحركه فى صورة التنظيم الثورى الذى قلب نظام حكم وليس انقلابا عسكريا.

إن تجارب الانقلابات العسكرية تقوم على قيام قيادة الجيش بتحريك قواتها بالأمر العسكرى لتغيير نظام قائم، وليس قيام تنظيم سرى يقوده صغار الضباط بتحرك عسكرى محدود ضد قادتهم العسكريين والنظام القائم مثلما فعل عبدالناصر وتنظيمه الضباط الأحرار.

عبدالناصر كان حالة ثورية استخدمت وسائل متكررة فى عصرها، وهى اختراق التنظيمات السياسية للجيوش فى كل دول العالم الثالث وإجراء تغييرات ثورية فى بنية النظام القائم، صحيح أن هذه الوسيلة اختفت تقريبا من العالم وأصبحت الجيوش تدخل فى أحيان استثنائية فى المسار السياسى، كما حدث مؤخرا فى مصر بإرادة أغلب المصريين، أو فى تايلاند وباكستان نتيجة فشل الأحزاب، وهو مشهد يختلف تماما عما جرى فى عهد عبدالناصر.

المؤكد أن نجاح الجيوش الحديثة المنضبطة فى منع اختراق التنظيمات السياسية لها أمر إيجابى، وتحول الجيش المصرى على يد عبدالناصر بعد 67 إلى جيش وطنى محترف قد ساهم بشكل حاسم فى انتصاره فى 73.

عبدالناصر لن يتكرر، ليس فقط لصفاته الشخصية، إنما أساسا لأن الظروف التى صاحبت عصره تختلف جذريا عن الظروف الحالية، فتربيته السياسية وإيمانه بالتغيير الثورى (عرف الثورة بأنها علم تغيير المجتمع)، وامتلاكه أساسا لمهارات السياسى أمر لم يعد متاحا فى الجيوش الحديثة المنضبطة، وهو ما جعله منذ اليوم الأول يمتلك مشروعا سياسيا محدد المعالم طوره مع الوقت وعدل فيه وراجعه.

لن يستنسخ عبدالناصر جديد، وفشل كل من حاول القيام بتلك المهمة من السابقين واللاحقين، لأنه ابن عصره، وإن كان سيظل ملهماً للكثيرين كقائد تحرر وطنى وبطل قومى نادر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبدالناصر الذى لا يتكرر عبدالناصر الذى لا يتكرر



GMT 08:57 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 08:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 08:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 08:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 08:53 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 08:52 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 08:50 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 08:49 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 19:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
  مصر اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار

GMT 07:32 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر التشكيل المثالي في الدوري الإنكليزي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 20:06 2016 الثلاثاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فيلكس يتمنى تدريب فرق الناشئين في النادي الأهلي

GMT 11:03 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طريقة عمل الكيك بالبرتقال هشة وناجحة من أول مرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon