توقيت القاهرة المحلي 18:19:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون الانتخابات.. الخطر الكبير

  مصر اليوم -

قانون الانتخابات الخطر الكبير

عمرو الشوبكي

مثلما كان يحدث فى عهد مبارك حين تبدأ فى مناقشة قضية تترك جوهرها وتذهب إلى الحواشى التى عادة ما لا تكون لها علاقة بالموضوع، هذا ما يجرى الآن فيما يتعلق بقانون مجلس النواب الذى أصدره الرئيس الانتقالى قبل أيام قليلة من مغادرته قصر الاتحادية، ويمثل خطراً حقيقياً على المسار السياسى برمته وليس فقط البرلمان القادم.
والحقيقة أن هناك طريقة لإدارة النقاش العام فى مصر تبدأ بوضع المعترضين فى زاوية محددة تبعد النقاش عن جوهر القضية المطروحة، فالمعترضون على القانون لابد أن يكونوا هم قيادات الأحزاب التى تتعارك مع بعضها ومنقسمة وعاجزة (صحيح أن كثيرا منهم كذلك فى ظل وجود 84 حزبا قانونيا فى مصر) وتريد أن تفصل قانونا على مقاس عجزها، فتحدثك عن قوائم ثبت فى الواقع العملى أنها لا تفيد إلا قيادات الأحزاب وكبار رجال الأعمال الذين يضعون من يدفع على قمة هذه القوائم، خاصة فى قوائم الدوائر التى تخلصنا منها لصالح نظام قوائم القطاعات الأربعة وليس المحافظات كما رجحنا.
ومازال كثير منا يتذكر النقاش الذى دار داخل لجنة الخمسين حول نظام الانتخابات الأمثل، وبعد جدل طويل داخل اللجنة، ومناظرة بين كاتب هذه السطور ود. محمد أبوالغار حول النظام الانتخابى الأمثل، وبعد أن كان هناك اتجاه قوى داخل الأحزاب يقول: 50% قوائم و50% فردى، وصلنا لتوافق بين أنصار النظام الفردى الكامل والقائمة على نسبة ثلثين «فردى» وثلث قوائم توزع على المحافظات المختلفة.
حين جاءت لحظة التصويت النهائى الذى شاهده الملايين على شاشة التليفزيون نالت هذه المادة 27 صوتا مقابل 11 بما يعنى أنها لم تحصل على الأغلبية المطلوبة داخل لجنة الخمسين (75%)، وبعد أن تراجع زملاؤنا فى حركة تمرد وحلفاؤهم داخل اللجنة عن دعمها، لأن وجهة نظرهم كانت ترى ألا يفقد الاستفتاء على الدستور تأييد أنصار النظام الفردى.
وأعتقد أنه كان خطأً جسيماً ألا تحسم لجنة الخمسين قانون الانتخابات، خاصة أن تلك اللجنة اتخذت قرارات جريئة وغير مسبوقة فى تاريخ مصر مثل إلغاء نسبة الـ50% «عمال وفلاحين» وإلغاء مجلس الشورى.
والحقيقة أن تفصيل قانون بغرض ضمان أغلبية سياسية فى اتجاه معين، كما كان يجرى فى العهود السابقة، كارثة مكتملة الأركان، وصياغة قانون هدفه الوحيد أن يمر من المحكمة الدستورية، وأن يراعى فقط المعايير القانونية، كما يجرى الآن، كارثة أخرى، لأنه دون مزج السياسى والقانونى لا يمكن لأى قانون أن يطبق بشكل صحيح على أرض الواقع، وما لم يؤسس النظام السياسى على دمج المؤيدين والمعارضين داخل العملية السياسية، وإقصاء فقط المحرضين على العنف أو المتورطين فيه والمرتكبين جرائم فساد وإفساد أدانها القضاء، سنصبح أمام مشاكل جسيمة.
أما وضع قانون سيؤدى إلى وجود لون واحد داخل البرلمان، وسيُقْصِى تيارات ستكون فى معظمها مدنية، لأن نظام القوائم الكارثى لم يستوعب إلا قائمة مطلقة ومغلقة يعنى أنه لا مكان للخاسرين ولو بنصف فى المائة فى هذا القانون.
إن أزمة القانون المقترح جسيمة، ولا يجب تحويل النقاش على أرضية من يقول إن النظام الفردى يخدم الفلول، والقوائم تخدم الثوار، فهذا يدل على أن هناك عزلة حقيقية عن الناس وباقى أطياف النخبة السياسية، لأن الحقيقة أن نظام الانتخابات الفردى يتيح للأحزاب فرصة التواصل مع المواطنين العاديين، ويمثل فرصة للأحزاب للتواصل مع قوى اجتماعية وقيادات شعبية حقيقية تساعدها على الخروج من الغرف المغلقة ومن الأفراد المفروضين على القوائم لثرائهم المادى، حتى لو كانوا معزولين عن الناس.
والمؤكد أن عدم مراجعة الرئيس المنتخب هذا القانون سيعرض البلاد لمخاطر كثيرة أهمها تزايد الكتل المحتجة غير المؤمنة بجدوى العملية السياسية والانتخابية، خاصة بعد شعور كثير منها بالإحباط نتيجة الطريقة التى أديرت بها انتخابات الرئاسة.
والحقيقة أن فى القانون مشكلة رئيسية أولها يتعلق بالنظام الفردى المقترح على 75% تقريبا من الدوائر، والذى سيعنى وجود نائب لكل مائة ألف أو مائة وخمسين ألف ناخب، وهو رقم محدود للغاية سيحول النائب إلى مجرد مُخَلِّص لبعض مشاكل دائرته اليومية، فيحضر الأفراح والليالى الملاح، ويؤدى واجب العزاء، ويحل مشاكل العائلات فى الزواج والطلاق.
أن تقل مساحة الدوائر «الفردى» من 400 ألف ناخب إلى مائة ألف هو كارثة حقيقية ستدمر البرلمان القادم، والحجة الواهية بأنه يجب زيادة عدد أعضاء البرلمان، نظرا لزيادة عدد السكان أمر لا يمكن تصوره فى أى بلد آخر فى العالم، فهل الهند مثلا التى تجاوز عدد سكانها مليار نسمة وصل عدد نوابها إلى 10 آلاف نائب تبعا لنظرية نائب لكل مائة أو مائة وخمسين ألف ناخب؟ الإجابة بالطبع لا، ففى الهند يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 550 عضوا ومجلس الشيوخ 250 عضوا.
أما المشكلة أو الكارثة الثانية فهى تتعلق بنظام القائمة المقترح، فقد وضعت قائمة للقطاعات بدأت بثمانى قوائم تعبر عن 8 قطاعات على مستوى الجمهورية، وقولنا إنها يجب أن تزيد إلى 27 قائمة وفقا لمحافظات الجمهورية، فاختارت اللجنة العكس، وقلصت القوائم من 8 إلى 4 بما يعنى أن هناك 10 ملايين مواطن سينتخبون قائمة من القوائم الأربع، ونتيجتها ستكون صفرية، أى أن القائمة التى ستحصل على النصف + 1 ستفوز بأصوات كل الناخبين وستفوز.
إن القائمة المطلقة هى بالتأكيد أم الكوارث، لأنها تعنى ببساطة أن القائمة التى ستحصل على 51% من الأصوات ستأخذ كل المقاعد، وتلك كارثة مكتملة الأركان، فهل يعرف معدو هذا القانون (لا يجب التشكيك فى نواياهم وإخلاصهم) أن أبرز عيوب النظام الفردى أنه لا يمثل أصوات المرشح الذى حصل على 49% من الأصوات، لأن النائب هو فقط من حصل على أغلبية الأصوات، ولو بفارق صوت واحد، وبالتالى فإن نظام القائمة حين وضع لم يكن من أجل تقوية الأحزاب كما يردد البعض عندنا، إنما من أجل فتح الباب أمام تصويت تمثل فيه أصوات كل الناخبين، ولا تستبعد منه أصوات القائمة الخاسرة أو التى جاءت فى المركز الثانى أو الثالث كما يحدث على المقعد الفردى، فتمثل كل قائمة فى البرلمان حسب الأصوات التى حصلت عليها: 10% أو 30% أو 60% وهكذا.
ولنا أن نتصور شكل البرلمان القادم الذى يُقصى بشكل مطلق كل الأفراد والقوائم الخاسرة، بما يعنى وجود برلمان إقصائى منفصل عن المجتمع، فالقائمة يجب أن تكون نسبية لتعالج مثالب النظام الفردى فى عدم تمثيل الحاصلين على 49% من الأصوات لا دفعهم فى الفردى والقائمة إلى العمل خارج العملية السياسية.
علينا أن نعالج مثالب هذا القانون الجسيمة بالذهاب نحو قائمة المحافظة النسبية أو على أسوأ الظروف قائمة مطلقة بكل محافظة وليس فى أربعة قطاعات، ويتم تمثيل القوائم الثلاث الخاسرة التى حصلت على أعلى الأصوات داخل البرلمان.
إن 4 قوائم مطلقة غير 27 قائمة مطلقة، ففرص التمثيل ستكون أفضل حين يزيد عدد القوائم، أما الحل الأمثل والطبيعى فهو القوائم النسبية على مستوى المحافظة وليس المطلقة، ويمكن أن تحل مسألة التمثيل الملائم للمرأة والشباب والأقباط بوجود نسب ملزمة فى قوائم المحافظات الكبيرة (التى قد تضم القائمة وفق نسبة الثلث 20 مقعدا مثل محافظة القاهرة)، ويترك للرئيس تعويض باقى النسب التى ستعجز المحافظات الصغيرة (قائمتها ستكون مثلا 4 مقاعد) من خلال نسبة الـ5% المقرر له أن يعينها من أعضاء البرلمان.
مراجعة قانون الانتخابات البرلمانية باتت ضرورة وطنية، لأن نتائجه ستكون وخيمة.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الانتخابات الخطر الكبير قانون الانتخابات الخطر الكبير



GMT 17:20 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أميون يخططون لمستقبلنا!

GMT 17:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صوتى لكامالا هاريس

GMT 17:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان.. خلاف الأولويات

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 07:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 06:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon