عمرو الشوبكي
«أين تقع قوة النظام الجديد فى مصر؟».. سؤال متكرر ومطروح على الساحة السياسية، والإجابة يرجعها البعض للقبضة الأمنية وملاحقة النشطاء ومحاصرة المجال السياسى، ولا تتحدث عن أى جانب شعبى له، وهى كلها أمور تختزل المشهد الراهن فى وجه قمعى للنظام، وتعتبر أن ذلك هو مصدر قوته.
والمؤكد أن هناك أخطاء كثيرة فادحة فى إدارة المسار السياسى الحالى، إلا أن قوة النظام الجديد لا ترجع إلى كونه يكبت الآخرين ولا يسمح لهم بالظهور، إنما إلى وجود تيار شعبى واسع لايزال يدعمه، ويرى أن أولوياته ليست فى تغيير قانون التظاهر ولا فى التشكيك فى المسار الحالى لصالح الإخوان أو غيرهم.
قوة النظام فى أولويات قطاع كبير من المصريين مازالت تختلف عن أولوليات قطاع واسع من السياسيين والنشطاء، وليس فقط ما يتصور البعض أنه خطاب النظام، فهى ترى أن مصر مهددة من الخارج والداخل وتتعرض لمؤامرات كثيرة، وأنه مع استمرار الأزمة الاقتصادية تصبح البلاد مهددة بانهيارات حقيقية، وأن المطلوب هو الوقوف خلف النظام ودعمه وتحمّل الصعاب، لأن البدائل التى طرحت أمام القطاع الأكبر من الرأى العام كانت أسوأ من الوضع الحالى، سواء تلك التى شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير فى ظل إدارة المجلس العسكرى، أو تحت حكم الإخوان.
والحقيقة أن وجود ظهير شعبى كبير مؤيد للنظام الجديد يعنى ببساطة أننا أمام وضعية جديدة لم تعتد عليها مصر منذ ما يقرب من 40 عاما، فحكم مبارك فى سنواته الأخيرة يمكن اختزاله فى الأمن، ومشروع التوريث، وفكرة رضا الناس أو الشعب لم تكن واردة بالنسبة لمبارك الذى تجاهل بشكل كامل هموم المصريين وآلامهم، على عكس الوضع الحالى الذى عبّر فيه النظام الجديد عن طموحات قطاع غالب من المصريين فى وجود وطن آمن ودولة قوية وقيادة وطنية تشبه أغلب الناس.
والمؤكد أن هذا الحضور الجماهيرى الكبير فى مشروع مثل قناة السويس كان من المستحيل رؤيته مع حسنى مبارك أو جمال مبارك أو محمد مرسى، فهناك من يرى أن وطنيته المصرية قد استدعيت مرة أخرى ولايزال يثق فى إخلاص ووطنية الرئيس الجديد ويغمض عينيه أحيانا عن أخطاء كثيرة، لأنه اعتبر أنها ثمن للوصول إلى بر الأمان.
إذا أردت أن تقيّم الوضع الحالى تقييما موضوعيا ومتكاملا، فلابد ألا تسقط فى فخ قراءة الإخوان، وترى أن ما جرى هو انقلاب عسكرى، وأن مصر تعيش فى ظلم وقهر، وتنسى أو تتناسى أن هناك كتلة شعبية هائلة أعطت ثقتها للحكم الجديد لمجرد أنه خلصها من حكم الإخوان، وأبعد عنها خطر التفكك والانهيار كما جرى مع كثير من بلاد الأخوة والجيران.
لا تقيّم الوضع الحالى دون دراسة أسباب تأييد قطاع، لايزال غالبا من المصريين، للنظام الجديد، حتى لو فقد جزءا من شعبيته، وحتى لو أدى تراكم الأخطاء وليس تصحيحها إلى مزيد من فقدان الشعبية، إنما عليك أن تعترف إذا أردت التغيير بأن هناك شركاء فى الوطن يثقون فى الحكم الجديد وفى أولوياته السياسية، وأنهم لن يختفوا ولن ينقرضوا مثلما أن هناك معارضين له يجب ألا يُقصوا أو يُستبعدوا.
الحقيقة أن حضور الجماهير فى المعادلة متغير لم يعتد عليه.