توقيت القاهرة المحلي 05:17:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تكن «شارلى» وكن إنساناً

  مصر اليوم -

لا تكن «شارلى» وكن إنساناً

عمرو الشوبكي

لم نضع يدنا على علاقة سوية ومتوازنة بالغرب، ومن الواضح أيضا أن الأخير كان «أشطر» منا حين فرض معاييره المزدوجة علينا وجعلها هي محور النقاش العام، فاكتفينا بإدانة تحيزاته ونظرته الاستعمارية دون أن نطرح تصوراً واضحاً لرؤيتنا نحن للتعامل معه يقوم أساساً على فهم النموذج الغربى من داخله بعيداً عنا أولًا، ثم بعد ذلك نشتبك مع موقفه منا إيجاباً أو سلباً.

والحقيقة أن حادثة «شارلى إبدو» كاشفة للخلل الموجود في هذه العلاقة مع الغرب، فالأخير اعتاد أن يدين الإرهاب الذي يحدث في بلادنا، ولكنه كما سبق أن أشرت أضاف دائما كلمة «لكن»، وعادة ما حاول أن يبتزنا بخيارات سياسية لا نريدها، باعتبارها هي الطريق لمكافحة الإرهاب، وأحسنت مصر أنها لم تلتفت إلى نصائح الأمريكيين في المساومة على بقاء الدولة الوطنية المصرية عقب 3 يوليو، ورفضت أن تخضع لابتزاز العنف والإرهاب وبقيت واقفة.

أما نحن فقد وقع بعضنا في الفخ الخطر، ورفض بعضنا إدانة جريمة «شارلى إبدو» الإرهابية، لأن الصحيفة اعتادت أن تسىء للرسول الكريم في رسوماتها الكاريكاتورية، والبعض الآخر برر تلك الجريمة ودافع عنها، كما كتب أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهو د. موفق السباعى، (نجل قيادى آخر هو مصطفى السباعى، الذي تميز بالاستنارة والتقدمية وتحدث عن الاشتراكية في الإسلام وأيد بدرجة ما جمال عبدالناصر)، مقالاً لاقى رواجاً كبيراً على المواقع الإسلامية، تحت عنوان: «ألا تحب رسول الله؟» جاء فيه: «ألَّا تدافع عن رسولك.. بحجة أنك ضعيف.. وقليل الحيلة.. فذلك أمر قد.. يكون لك فيه عذر عنده!!!. ألَّا تؤيد الدفاع عن رسولك.. بحجة الخوف.. والرعب من أبناء الصليب.. وأحفاد بنى قريظة.. فذلك أمر قد.. يكون لك فيه عذر عنده!!! أن تلوذ بالصمت.. وتختبئ في جحرك.. خشية.. وفَرَقاً.. وجبناً.. فذلك أمر قد.. يكون لك فيه عذر عنده!!!

أما أن ترفع عقيرتك.. وتستنكر.. وتندد بأعلى صوتك.. وتهاجم.. وتسفه.. من يدافع عن رسولك.. بل تلهث راكضاً.. لتنافس أبناء الصليب في الاستنكار.. وتمالئ.. وتحابى.. وتجامل الرأى الصليبى.. الوثنى.. الكاسح!!! ليقولوا عنك إنك مسلم مدجن.. أو معتدل.. تعادى الإرهاب!!! فذلك دناءة.. ولؤم.. وخسة.. واستخزاء.. وانبطاح.. وخنوع للصليب!!! وخيانة لله.. ورسوله.. وحرمان لك- أيها المسكين.. المنهزم.. المتضعضع- من شفاعته!!! ومَنْ يُحرَم من شفاعته.. لا يرَ الجنة.. ولا يشم ريحها.. وإن ريحها ليُشم على بعد سنوات ضوئية!!!».

والحقيقة أن هذا الخطاب كارثى سواء في صورته الشامتة أو المبررة للقتل والإرهاب، والتى تستند إلى تفسيرات منحرفة لا أساس لها في صحيح الدين، لأنك تتكلم من الأصل عن مجتمع آخر وثقافة أخرى ليس لك سلطان عليها تماما مثلما نرفض أن يكون للغرب سلطان علينا، خاصة في أمورنا الثقافية والحضارية.

كيف تجبر مجتمعا مختلفا عنك في الثقافة والفكر وينطبق عليه قول الله تعالى: «وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، وتحاول أن تفرض عليه منظومة قيمك وتعاليم دينك، هذا أمر يخصنا ولا يخصهم، تماما مثلما أنَّ تقَبُّلهم المس بالمقدسات الدينية المسيحية والإسلامية أمر يخصهم هم، ولم يستطيعوا فرضه علينا بأن غيروا قوانيننا ونظامنا العام.

إن ما يجب أن نرد به على الغرب ليس تبرير الإرهاب ولا اعتبار أن قتل العلمانيين والملحدين يمثل انتصارا لرسول الله، إنما بناء مشروع فكرى وسياسى لمواجهة هذا الاستعلاء الغربى الذي أصر على عدم الاعتراف بوجود مراكز حضارية مختلفة ترفض الإساءة للمقدسات الدينية، فلم تَنَلْ كل الأفكار التي طالبت بوضع قوانين تمنع الإساءة للمقدسات الدينية آذاناً صاغية في الغرب، واعتبر التيار الغالب داخل هذه المجتمعات أنها جزء من حرية الرأى والتعبير، وكثيرا ما تضمنت بعض الصحف تهكماً على السيد المسيح وعلى السيدة مريم، وخرجت بعض الأفلام لتمسهما معاً، وتثير استهجان المؤمنين في العالم كله، وظلت هذه القضايا في إطار الشد والجذب بين التيار العلمانى المسيطر على الإطار الثقافى والسياسى في الغرب، وبين المتدينين الذين لم يستطيعوا إصدار قوانين قاطعة من شأنها منع ازدراء الأديان كما هو حادث في البلدان العربية والإسلامية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تكن «شارلى» وكن إنساناً لا تكن «شارلى» وكن إنساناً



GMT 17:20 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أميون يخططون لمستقبلنا!

GMT 17:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صوتى لكامالا هاريس

GMT 17:17 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان.. خلاف الأولويات

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 07:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 06:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon