عمرو الشوبكي
الحكم ببراءة مبارك صدم البعض وأسعد البعض الآخر، ولم يرتح له كثيرون باعتباره حكما بالبراءة على أول رئيس فى التاريخ المصرى الحديث يتم إسقاطه بثورة شعبية وليس بانقلاب عسكرى أو بانقلاب قصر، فقد حكم أغلب الشعب على مبارك بالإدانة، وبحكم المحكمة التى تبحث فى أدلة ودفوع فهو برىء.
والحقيقة أن اختزال كل أو معظم مشاكل مصر فى إدانة مبارك أو براءته أمر لا يستقيم مع كل التحديات التى تواجهها البلاد، خاصة أن معظم الدول التى بنت نظما ديمقراطية أغلقت صفحات الماضى بعد أن نجحت فى وضع أسس نظام جديد وهى متقبلة جزءاً من النظام القديم حتى تصل لبر الأمان.
المؤكد أن إعدام مبارك أو إدانته لن يحل مشكلة مصر الاقتصادية، ولن يوقف جمودها السياسى، ولن يحل أزمات الجامعات، ولا غضب الشباب وإحباطه، إنما سيبقينا كما نحن أسرى صراعات الماضى واحتقاناته، لا التنافس على صناعة المستقبل.
إن كل دول العالم التى تغيرت فى النصف قرن الماضى وضعت المستقبل نصب أعينها، بما فيها جنوب أفريقيا التى ناضل شعبها ضد التمييز العنصرى بالسلاح، وطبقت منظومة العدالة الانتقالية (أى نظام قانونى وقضائى خاص ليس بالمحاكم السياسية والثورية إنما يضمن العدالة وسرعة الإنجاز) كمدخل للصفح وطى صفحة الماضى وليس الانتقام كما يتصور البعض.
إن تجارب التاريخ تعلمنا أن كل التجارب التى طبقت نظام المحاكم الثورية بدأت فى إعدام رموز النظام القديم ثم انهالت بعد ذلك على رفاق الثورة، وتحول أى خلاف فى الرأى إلى مبرر لترويج جمل من نوع الانحراف عن الثورة وخيانة مبادئها لتصبح هذه المحاكم طريقا لإعدام «الخونة» و«المنحرفين» من الثوار حتى رفرفت أعلام الفشل والاستبداد على تلك التجارب.
إن رفضنا الصارم لفكرة المحاكم الثورية بعد يناير، والتى استدعاها البعض من نظريات فى متاحف التاريخ، ربما يكون قد ساهم فى حماية بعض مروجيها من شرورها بعد وصول الإخوان للسلطة (أو أى نظام آخر)، لأنهم كانوا أول من سيدفع ثمنها، وأن نظام العدالة الانتقالية لم يطبق فى مصر وطبقته دول أخرى ونجحت من خلاله فى تحقيق نظام يطوى صفحة الماضى ويحقق العدالة والمصالحة وليس الانتقام وتصفية الحسابات كما يتصور البعض.
إن البعض يطالب الصوت الاحتجاجى على حكم البراءة بالنظر إلى المستقبل وعدم الانجرار وراء خطاب المحاكم الثورية الكارثى، فى حين أنه لم يقم بإصلاح أى مؤسسة «مباركية» أو منظومة قديمة واحدة، كما جرى فى تجارب النجاح، وهو شرط لإقناع أغلب هذه الأصوات بالنظر للمستقبل، لأنها لم تجد أمامها إلا حكم البراءة لتفش خلقها فيه.
معضلة مصر فى منظومة مبارك التى لم تتغير وليس فى شخصه، وأن كل من يحارب الفساد والإفساد ويعمل على بناء دولة العدالة والقانون ويسعى لإصلاح مؤسسات الدولة المترهلة، ويتحمل ثمن العمل وسط الجماهير وليس فى الإعلام، هو بالتأكيد أفضل مدافع عن أهداف ثورة يناير.
أما من اعتبر أن هناك ثورة دائمة فقط فى الشارع، بعد أن فشل فى أن يكون له عمل أو صنعة، أو يبنى حزبا أو يصنع بديلا يقدمه للناس وليس لنفسه أو شلته، فحتماً هو أكبر داعم لمنظومة مبارك حتى لو طالب كل يوم بإعدام شخصه.