توقيت القاهرة المحلي 15:31:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرشح الدولة

  مصر اليوم -

مرشح الدولة

عمرو الشوبكي

من المؤكد أن فى تجارب العالم الديمقراطى يكون مرشح الدولة أو المؤسسة العسكرية مرشح الضرورة أو الاستثناء، وأن الطبيعى أن يأتى مرشح الرئاسة والحكم من الأحزاب والحركات السياسية.
والمؤكد أن هناك كثيرا من الأمم والتجارب، بما فيها بلاد ديمقراطية، جاءها رؤساء للجمهورية من قلب الدولة مثل ديجول فى فرنسا، وزعماء آخرين من خلفية عسكرية حكموا فى أمريكا الشمالية والجنوبية وفى أوروبا بوسائل ديمقراطية وظلوا كذلك.
صحيح أن هذا النموذج قد تراجع تقريبا فى معظم الدول الديمقراطية إلا فى عدد محدود من الدول مثل إندونيسيا التى جاء رئيسها من خلفية عسكرية بعد وضع شبيه بمصر، وبعد أن انتفض الشعب ضد نظام سوهارتو الذى استقال فى عام 1998، وبعد فشل النخبة المدنية فى إدارة البلاد، جاء الرئيس ذو الخلفية العسكرية للسلطة عقب انتخابات حرة. أما إسرائيل فمعظم رؤساء وزرائها من خلفية عسكرية لكنهم لا ينتقلون مباشرة من الجيش للسلطة إنما يقضون وقتا ليس بالقليل فى أحد الأحزاب السياسية ليمزجوا بين الخبرة العسكرية والسياسية.
والمؤكد أن فى مصر دولة مركزية ظلت تحكم البلاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة منذ محمد على حتى الآن إلا فى استثناءات قليلة.
لذا لم تكن الدولة مجرد كيان مؤسسى شمل الجيش الوطنى والشرطة والقضاء والإدارة، وظفته السلطة الحاكمة لصالح مشروعها السياسى، إنما أيضا حكمت من خلال مؤسساتها، بشكل مباشر، أو عبر «أحزاب الدولة» التى نشأت واستمدت قوتها (وضعفها أيضا) من ارتباطها بمؤسسات الدولة.
والمؤكد أن سلطة الدولة كانت هى الحكم المباشر فى مصر منذ محمد على حتى ثورة 1919، وبعدها تصور الكثيرون أن الأمور آلت لحزب الوفد، قلب الحركة الوطنية المصرية، والحقيقة أنه على مدار أكثر من 30 عاما هى عمر التجربة شبه الليبرالية المصرية حكم الوفد 6 سنوات متفرقة، فى حين حكمت أحزاب الأقلية والقصر المرتبطة بمؤسسات الدولة معظم الفترة عبر انتخابات كثير منها مزور.
وجاءت ثورة يوليو 1952 من قلب الدولة المصرية ومن خلال تنظيم الضباط الأحرار، وأسست تنظيمات الدولة من هيئة التحرير ثم الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى الذى صمد حتى عام 1976، وبعدها قرر الرئيس السادات تحويل مصر إلى دولة تعددية حزبية، وأسس بدوره حزب الدولة الجديد مصر العربى الاشتراكى الذى غضب عليه السادات عام 1978 وقرر إنشاء الحزب الوطنى الديمقراطى، فهرول أعضاء حزب مصر إلى الحزب الجديد جريا وراء حزب الدولة الذى يقوده رئيسها، أى الرئيس السادات، وأصبحنا أمام مشهد غير متكرر فى تاريخ مصر والعالم أن يترك مئات الآلاف من البشر حزبهم الذى دخلوه طواعية ويهرولوا لحزب آخر لمجرد أن رئيس الدولة قرر تأسيسه.
وظل الحزب الوطنى فى الحكم 33 عاما، منها 30 عاما فى عهد مبارك الذى عرف حالة من الجمود والتدهور والفساد فى كل مؤسسات الدولة، وعرفت البلاد حالة من التجريف السياسى والمهنى غير مسبوقة فى تاريخها الحديث.
سقط نظام مبارك وبقيت الدولة وتفاءل الكثيرون بالمستقبل وبإمكانية نجاح الحركة السياسية فى قيادة الدولة وفى بناء مشروع سياسى جديد.
وجاءت الانتخابات الرئاسية السابقة، وكانت فى جانب كبير منها اختبارا بين مرشحى الحركات السياسية والدينية القادمين من خارج الدولة والمواجهين لها فى أغلب الأحيان، ومرشحى الدولة، وفاز مرسى ابن الجماعة الدينية بفارق بسيط فى مواجهة مرشح اعتبره أغلب المصريين مرشح الدولة وليس نظام مبارك.
وقد نسى البعض أن سقوط جماعة الإخوان كان أساسا ضربة للجماعة، ولكنه كان فى جانب آخر ضربة لمرشحى القوى السياسية المعارضة للدولة، والتى اعتبرها قطاع كبير فى الشارع المصرى مجرد أصوات احتجاجية ترفع شعارات ثورية ولا تقدم بديلا حقيقيا لمشكلات الواقع.
وقد تكون تلك معضلة حمدين صباحى الأساسية فى هذه الانتخابات أنه يترشح كمناضل سياسى وثورى فى وقت سئم فيه قطاع واسع من المصريين من الخطاب الثورى، وفقدوا الثقة فى مرشحى القوى والحركات السياسية لصالح انحياز واضح ومنذ البداية لمرشح الدولة.
والمؤكد أن مرشح الدولة الذى ظل أكثر من 40 عاما ضابطا فى القوات المسلحة المصرية أمامه أيضا تحديات كبيرة فهو لديه ظهير شعبى كبير، ولكن أدوات أى سلطة مهما كانت شعبيتها لا تحكم دون «وسائط»، أى أحزاب ومجتمع مدنى وليس فقط بأجهزة الدولة الإدارية والأمنية، كما أن حوارات السيسى الأخيرة رغم أنها نالت قبول غالبية أبناء الشعب المصرى، وقدمت صورة يبحث عنها أغلب المصريين، وهى صورة الرجل القوى الذى يحثهم على العمل والإنجاز فى ظل حالة الفوضى والاستباحة التى عرفتها مصر فى السنوات الأخيرة، إلا أنه غاب عنها أى تقدير واضح لصعوبة إدارة بلد بدون ظهير سياسى يصوغ ولو ملامح لمشروع ورؤية سياسية شاملة تتجاوز مسألة القدرة على إنجاز المشروعات الاقتصادية وحث المصريين على العمل والتضحية.
كما أن هناك تحدياً آخر يتمثل فى مدى قناعة مرشح الدولة بأن إدارة البلد بالدولة فقط دون وجود شراكة حقيقية مع القوى السياسية أمر سيضر بالبلاد مهما كانت الملاحظات (وهى كثيرة) على هذه القوى، والتى لو كانت فى حالة جيدة لما اختار الناس بهذا التأييد الجارف مرشح الدولة.
إن مساهمته فى خلق هذه الشراكة بتقديم مشروع سياسى جديد يعتبر أن نجاح مرشح الدولة هو دليل على أننا لم نصبح بعد بلدا طبيعيا، لأن البلد الطبيعى هو الذى يحكمه مرشح من الأحزاب، فهل سيكون السيسى جسرا للوصول الآمن لهذا الوضع عن طريق عدم تثبيت الوضع الاستثنائى الحالى المتمثل فى بقاء الدولة، وربما المؤسسة العسكرية، فى تقديم مرشحها الرئاسى، وهو أمر ليس مريحا لقطاعات واسعة من الأجيال الجديدة ومن القوى المدنية ولابد أن يضمن وربما يساعد على الانتقال من مرحلة مرشح الدولة (أو مرشح الضرورة بتعبير الأستاذ هيكل) إلى مرحلة المرشح المؤمن بالدولة.
أعتقد أن التحدى الأكبر الذى سيواجه مرشح الدولة هو فى قدرته على استيعاب طبيعة التحديات الجديدة التى تواجه المشروع الوطنى المنبثق من الدولة الوطنية التى يمثلها، بالنظر إلى حجم معارضيه الحقيقى والتمييز بينهم، وقدرته على تجديد أدوات الدولة فى الحكم، حيث لم تعد الطريقة الأبوية القديمة قادرة على جذب كثير من الأجيال الجديدة.
مرشح الدولة قد تكون مهمته الأساسية ليست فقط فى نجاح مشاريعه الاقتصادية على أهميتها القصوى وضرورتها، إنما فى أن يكون جسرا يضمن انتقال السلطة بعد 4 أو 8 سنوات لمرشحين من خارج الدولة ومن خارج مرشحى الضرورة، وهو شرط لا يتحمله وحده إنما أيضا تتحمله قوى المعارضة ويتمثل فى قدرتها على تقديم بديل سياسى جديد قادر على الحكم وليس فقط المعارضة.
"المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرشح الدولة مرشح الدولة



GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«الحياة الأبدية» لمقاتلي روسيا

GMT 07:02 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... السنجاب المحارب!

GMT 07:00 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأولوية الإسرائيلية في الحرب على لبنان

GMT 06:58 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

تثمين العقلانية السعودية

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

من ينتخب الرئيس... الشعب أم «المجمع الانتخابي»؟

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بريطانيا: المحافظون يسجلون هدفاً رابعاً ضد «العمال»

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 02:55 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
  مصر اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon