عمرو الشوبكي
حين هاج البعض وماج، واتهم كل من قال إن الشرطة مسؤولة عن قتل الشهيدة شيماء الصباغ بالعمالة والتآمر ضد وزارة الداخلية، لمجرد أنه طالب بمحاسبة المتهم على هذه الجريمة التى دلت المؤشرات البديهية على أن القاتل لابد أن يكون من بين أفراد الشرطة التى فضت الوقفة الاحتجاجية من أعضاء حزب التحالف الشعبى، وهو حزب شرعى وقانونى وليس منظمة إرهابية.
والحقيقة أن رد فعل مندوبى الداخلية كان أسوأ بكثير من الوزارة نفسها، وأن ما جرى ويجرى فى مصر من قِبَل كثير من مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة الشرطية، تجاه أى نقد بات غير مفهوم وغير مبرر، ولن يكون فى صالح البلد ولا الوزارة.
والحقيقة أن الحكم على الضابط المتهم بقتل شيماء بالسجن المشدد 15 عاما بعد أن ثبتت التهمة التى وجهت إليه: «ضرب أفضى إلى موت» لم يسقط وزارة الداخلية ولم يضعفها ولم يجعلها مستباحة أو «ملطشة» لمجرد الحكم على أحد أفرادها بالسجن نتيجة ارتكابه جريمة كسرت ما يردده الكثيرون بأنه سياسة الإفلات من العقاب.
والمؤكد أن الداخلية تتحمل عبئا كبيرا فى مواجهة الإرهاب، وهناك من يصر على توريطها فى أخطاء السياسة، وهناك شهداء يسقطون من رجال الشرطة، وهم من خيرة شباب مصر، ضحية الإرهاب وضعف الإمكانيات وربما أيضا أخطاء القيادة.
أن يعتبر البعض أن محاسبة من يخطئون داخل الداخلية هو تآمر عليها أمر كارثى، ودعوة لاستمرار الأخطاء وسقوط المزيد من الضحايا من الشعب والشرطة معا، لأن المدافع عن أخطاء الداخلية بحق الناس سيعجز عن مساعدتها فى مواجهة أخطائها هى بحق نفسها، وفى معركتها ضد الإرهاب.
إن الدفاع عن الداخلية بالحق والباطل سيعمق من مشاكلها وسيجعلها غير قادرة على تصحيح أخطائها وإصلاح أدائها، وهى تخوض حرباً حقيقية ضد تنظيمات إرهابية نالت من 500 رجل شرطة وجيش منذ فض اعتصام رابعة، سقطوا شهداء الواجب ومحاربة الإرهاب.
لا يمكن حين تقول إن هناك فرداً أخطأ فى مؤسسة أو جهاز مهما كان، أن يكون رد الفعل هو ترك الموضوع الأصلى، أى مناقشة الخطأ وبحث أسبابه إلى الرد بسيل من الهتافات والأغانى الوطنية والشعارات الرنانة، وحين لا تجد سياسة واضحة داخل الداخلية تضع الخط الفاصل بين مظاهرات العنف والإرهاب وبين المظاهرات السلمية، فيواجه الأولى بقوة ويؤمن الثانية بمهنية، نصبح أمام مشاكل جسيمة نتيجتها كانت استشهاد شيماء الصباغ بطلق خرطوش.
يجب ألا نخلط بين الضغوط الواقعة على رجال الشرطة، وحجم الشهداء الذى قدموه دفاعا عن الوطن والشعب، وبين محاسبة المخطئين فيها، إذا أردنا أن نحافظ حقا على وزارة الداخلية ونحمى شبابها من الثمن الباهظ الذى يدفعونه كل يوم نتيجة الإرهاب وعدم تصحيح الأخطاء معا.
درس الحكم على الضابط المتهم بقتل شيماء يجب ألا تحكمه علاقة الشماتة مثلما يفعل الإخوان تجاه باقى الشعب، ومثلما فعل «الهتيفة» وقوافل الشتامين حين أهانوا شيماء بعد استشهادها وحدثونا عن قضايا كلها خارج الموضوع: آرائها السياسية، لماذا نزلت تتظاهر (وكأن المظاهرة بدون ترخيص تبرر القتل، فى حين أن مظاهرات المؤيدين تنال الترحيب)؟، ودفاع بالحق والباطل عن الداخلية التى تقدم الشهداء، وكأن محاسبة مخطئ تنتقص من تضحيات الداخلية وشهدائها.
المحاسبة ودولة القانون هى فرصتنا الأخيرة للخروج مما نحن فيه، بعيدا عن سياسة الانتقام وتصفية الحسابات.